خاص بـ"موقع الحرة"
هل تتجه السعودية نحو العلمانية؟ سؤال قد يبدو صادما للوهلة الأولى، خصوصا عند الحديث عن دولة تتمتع فيها المؤسسة الدينية بقوة مؤثرة في المجتمع.
ولكن إذا فهمت العلمانية هنا، بمعنى فصل الدين عن الدولة، فإن القرارات الخاصة بحقوق النساء تحديدا، والتي اتخذها المملكة خلال السنوات القليلة الماضية تمنح السؤال أعلاه قدرا من المشروعية.
"لقد اتخذت السعودية خطوات تجاه العلمانية ولكن الأمر يحتاج وقتا لقياس ردود الفعل"، يقول الكاتب والمحلل السياسي توفيق حميد في إشارة إلى القوى الدينية التي تعارض خطط الإصلاح في المملكة.
في كانون ثاني/يناير نقلت مجلة فورين بوليسي تصريحات للأمير محمد بن سلمان الذي كان حينها وليا لولي العهد السعودي، أكد فيها وضع استراتيجية من ثلاثة محاور لتجنب أي رد فعل عنيف من محافظين دينيين معارضين للتوجه الإصلاحي في المملكة.
وكتب أحد الباحثين الذين التقى بهم الأمير بن سلمان نهاية العام الماضي أن الأمير - الذي يشرف على أكبر عملية إصلاح للدولة والمجتمع السعوديين- أبلغهم بأن إجراءات عقابية سيتم وضعها في الاعتبار إذا أقدم أي رجل دين على التحريض على العنف أو ممارسته كرد فعل على الخطة الإصلاحية.
أكثر القضايا التي تتشدد فيها القوى الدينية في المملكة هي حقوق المرأة، لكن الملك سلمان بن عبد العزيز حطم أحد ما اعتبر لعقود محرما دينيا، بمنح المرأة الحق في قيادة السيارة، بعد سنوات من الجدل والنضال النسوي لنيل هذا الحق.
ورغم بساطة الخطوة، فإن حق المرأة في قيادة السيارة في السعودية، يفتح المجال أمام استكشاف معالم المرحلة القادمة لطبيعة علاقة الدولة بالشعب في السعودية، خاصة بعد تعيين الأمير الشاب وليا للعهد.
حميد وفي حديثه لـ"موقع الحرة" يوضح أن العلمانية التي يتحدث عنها ترتبط بالتعريف المتفق عليه في المنطقة العربية وهو "احترام جميع الأديان والمساواة بين جميع المواطنين" مقرا بـ "الحساسية" التي يحملها المصطلح في المنطقة العربية.
فالسماح للنساء بحضور احتفالات العيد الوطني في استاد الملك فهد بالرياض قبل نحو أسبوع، وسحب سلطة إلقاء القبض على المواطنين من "الشرطة الدينية قبل أكثر من عام كانت خطوات قوية في اتجاه التحديث"، حسب حميد الذي يرى أن الغالبية العظمى من الشباب السعودي "تؤيد هذا الاتجاه، وهم يمثلون 70 في المئة من المجتمع".
ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى عاملين مهمين وراء التغيرات الجارية في السعودية، وهما الحوار المجتمعي وبالتحديد الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي، و"مشاهدة نموذج لاستغلال الدين كما يفعل تنظيم داعش الإرهابي".
"مؤشر لما سيأتي لاحقا"
وكانت المملكة قد عينت قبل أيام فاطمة باعشن في منصب المتحدثة باسم السفارة السعودية بواشنطن، لتصبح أول سعودية تتقلد منصبا من هذا النوع في تاريخ البلاد.
باعشن أكدت لشبكة سي أن أن الأميركية أن قرار منح المرأة السعودية الحق في قيادة السيارة في المملكة "مؤشر لما سيأتي لاحقا".
فهل يعني ذلك المضي في إضعاف قبضة رجال الدين لصالح نظام "علماني" يتوافق مع طبيعة المجتمع السعودية في المرحلة الراهنة؟
يعتقد حميد أن "خطوة واحدة لا تكفي"، وأن القادم يجب أن يكون "إعادة خلق نظم تعليمية تعطي روحا للدين بدلا من التمسك بالحرفية"، معتبرا أن هناك بعدا مهما لقرار رفع الحظر عن قيادة المرأة السعودية للسيارة وهو "تحويل المفهوم الديني من المطلق إلى النسبي؛ أي أنه في ظروف معينة كانت قيادة المرأة للسيارات محرمة، وفي ظروف أخرى أصبحت الآن أمرا مقبولا"، ويضيف "هذا يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة للتغيير".
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد طالبت السعودية في بيان بإلغاء أية قيود إضافية على المرأة غير مفروضة على الرجال، واعتبرت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة أن إنهاء الحظر على قيادة المرأة للسيارة في المملكة "انتصار كبير للمرأة السعودية التي عملت بشجاعة على مواجهة التمييز المنهجي لعقود".
نظام هجين
تأخذ أستاذة الإعلام في جامعة زايد في دبي نجاة السعيد الإجابة عن سؤال العلمانية في السعودية إلى زاوية أخرى، تعتقد فيها أن النظام السعودي أساسا "غير ديني، هناك مؤسسة دينية، ولكن القرار الأساسي بيد الحكومة"، مشيرة إلى أن الوضع "ليس شبيها بإيران".
وتصف الأكاديمية السعودية في حديث لـ"موقع الحرة" طبيعة النظام السياسي في السعودية بـ" النظام الهجين، لا هي علمانية ولا دينية".
وتستبعد نجاة السعيد أن تقود التغييرات التي تشهدها المملكة حاليا، إلى "علمانية 100 بالمئة، ولكن سيكون هناك تقبل أكثر وقبول للتفسيرات الدينية المختلفة".
عصر النهضة
إن قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، حسب السعيد، "ثمرة" لبرنامج العاهل السعودي السابق للابتعاث، في إشارة إلى البرنامج الذي أطلقه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لإرسال شباب من السعودية لطلب العلم في الغرب.
وتضيف لـ "موقع الحرة" أن هؤلاء الشباب وبالأخص الفتيات اللاتي تعلمن "الاعتماد على النفس من الصعب أن تعيدهم إلى غير ذلك".
وكان الملك الراحل قد قرر في 2015 السماح بمشاركة المرأة في انتخابات أعضاء المجالس البلدية، ثم عين 30 سيدة في مجلس الشورى السعودي ما يعد سابقة في تاريخ المملكة.
وتصف السعيد أن ما يحصل في السعودية الآن هو "بداية عصر النهضة"، وأن "المجتمع يحتاج إلى مثل هذه الخطوة (قيادة المرأة للسيارة) اجتماعيا واقتصاديا".
وتختم السعيد بالقول :"مستحيل أن تكون هناك نهضة اقتصادية من دون تنمية اجتماعية"، مؤكدة أن المملكة تتجه نحو "التنمية والتنوير".
خاص بـ"موقع الحرة"