قبل نحو 25 عاما، بدأت فصول واحدة من أبشع المآسي على مر التاريخ، راح ضحيتها حوالي 800 ألف شخص.
حملة الإبادة التي شنها أبناء الهوتو ضد أقلية التوتسي في رواندا عام 1994 أظهرت مدى بشاعة أن يقتتل أبناء الوطن الواحد، وأظهرت أيضا فشلا دوليا في وقفها.
الأحد وضع رئيس رواندا بول كاغامي (61 عاما) الذي قام بدور تاريخي في وقف الإبادة الجماعية، إكليلا من الزهور عند نصب جيسزوي لضحاياها في العاصمة كيغالي حيث دفنت جثث أكثر من ربع مليون شخص.
انحنى كاغامي أمام إكليل الزهور قبل أن يضرم النار في شعلة، ووقف بجانبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.
أشاد الرئيس الرواندي بقوة شعبه الذي خرج من الهاوية ليصبح "عائلة متحدة أكثر من أي وقت مضى".
وقال الرجل القوي في البلاد منذ عام 1994، "في 1994، لم يكن ثمة أمل، كان ثمة ظلمات فقط. اليوم، يشع النور من هذا المكان. كيف حصل ذلك؟ عادت رواندا عائلة".
وأضاف: "شعبنا حمل ثقلا كبيرا من دون أن يشكو... ذلك جعلنا أفضل وأكثر اتحادا".
وعد الرئيس بأنه "لن يكون هناك أي شيء على الإطلاق قادر على تأليب الروانديين على بعضهم. هذه القصة لن تتكرر. هذا التزامنا الثابت".
أوليف موهوراكاي (26 عاما)، مصففة شعر نجت من الإبادة الجماعية عندما كانت رضيعة، قالت: "إحياء الذكرى ضروري لأنه فقط بالنظر إلى الوراء، إلى ما حدث، نستطيع ضمان ألا يحدث أبدا مرة أخرى".
تاريخ مرير
بدأت المذابح في السادس من نيسان/أبريل عام 1994 بعد مقتل الرئيس جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا، وكلاهما من الهوتو، عند إسقاط طائرتهما في العاصمة الرواندية.
كان هابياريمانا عائدا من مفاوضات سلام مع الجبهة الوطنية الرواندية المتمردة (أغلبية أعضائها من التوتسي).
لم يتم التعرف أبدا على المهاجمين الذين استهدفوا الطائرة بصاروخ.
في اليوم التالي، قُتلت رئيسة وزراء الهوتو المعتدلة أغاثي أويلينغييمانا، و10 من جنود حفظ السلام البلجيكيين كانوا مكلفين بحمايتها، وعدد من وزراء المعارضة.
الهجوم كان سببا كافيا بالنسبة للهوتو لشن حملة إبادة للقضاء على أقلية التوتسي. تمت تعبئة جنود حكومة الهوتو وميليشيات متطرفة متحالفة معهم.
السلطات ووسائل الإعلام، بما فيها الإذاعة والتلفزيون، شجعوا السكان على ارتكاب المجازر وعمليات الاغتصاب والنهب والسلب.
انقلب السكان على بعضهم وتم تقطيع الرجال والنساء والأطفال إربا وحرقهم أحياء وقتلهم بالرصاص والهراوات.
10 آلاف شخص كانوا يلقون حتفهم يوميا. 70 في المئة من التوتسي قضي عليهم وأكثر من 10 في المئة من إجمالي سكان رواندا.
لم يقتل أبناء التوتسي فقط. أفراد من الهوتو رفضوا الاشتراك في عمليات القتل، أو المشتبه في تعاطفهم مع التوتسي، لقوا المصير ذاته.
كيف انتهى القتال؟
توقفت الإبادة في تموز/يوليو عام 1994 عندما اجتاحت الجبهة الوطنية الرواندية، بزعامة كاغامي، البلاد من أوغندا وسيطرت عليها.
صاحب ذلك فرار مئات الآلاف من الهوتو إلى زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا).
وفي الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، أنشأت الأمم المتحدة محكمة جنائية دولية لرواندا في أروشا (تنزانيا).
وبعد أربع سنوات، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أحكامها الأولى بالسجن مدى الحياة. وشكلت هذه الأحكام أول اعتراف بالإبادة الجماعية ضد أقلية التوتسي الرواندية من قبل القضاء الدولي.
فشل دولي
تعذر على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تلقى دعوة لحضور مراسم إحياء الذكرى يوم الأحد "لأسباب تتعلق بجدول أعماله"، حسب التعليق الرسمي.
لكن تغيبه أثار خيبة أمل للروانديين الذين كانوا يأملون في رؤيته يعبر عن اعتذار فرنسا عن دورها في 1994، إذ تتهم السلطات الرواندية فرنسا بالتواطؤ مع نظام الهوتو، وهو ما تنفيه باريس باستمرار.
تجلى بوضوح خلال المجازر عجر الأمم المتحدة عن وقفها. في 21 نيسان/أبريل من عام 1994، قررت المنظمة الدولية، لأسباب أمنية، خفض عناصرها هناك، من 2500 إلى 270 رجلا.
في نهاية حزيران/يونيو من ذلك العام، بدأت فرنسا بموافقة الأمم المتحدة، عملية "توركواز" العسكرية- الإنسانية، لكن الجبهة الوطنية الرواندية اتهمت فرنسا بحماية مرتكبي الإبادة.
بان كي مون الأمين العام السابق للمنظمة الدولية صرح في نيسان/أبريل عام 2014، بأن الأمم المتحدة "لا تزال تشعر بالخزي" حيال فشلها في منع الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا.
يسمم الجدل بين فرنسا ورواندا بشأن هذا الملف العلاقات بين البلدين وإن باتت أفضل منذ انتخاب ماكرون في 2017.
رئيس الدولة الفرنسية اتخذ خطوات رمزية حيال كيغالي، فقد أرسل أولا لتمثيله النائب إيرفيه بيرفيل، اليتيم الرواندي من التوتسي الذي تبنته عائلة فرنسية في 1994.
وأعلن الجمعة الماضية فتح "كل المحفوظات الفرنسية" للجنة من المؤرخين حول الفترة 1990-1994، وهو التزام تعهد به في أيار/مايو 2018 بعد اجتماع مع كاغامي.
وأعلن ماكرون الأحد أنه يريد أن يجعل السابع من نيسان/أبريل "يوما لإحياء ذكرى حملة إبادة التوتسي".
هل تحولت البلاد للديكتاورية؟
تدعو السياسة الرسمية في رواندا إلى الامتناع عن الحديث عن العرقية لكن المعارضة تقول إن السيطرة الصارمة على وسائل الإعلام والنشاط السياسي تخنق المعارضة.
فيكتوار إنغابيري القيادية في المعارضة، قالت: "قرر الحزب الحاكم تبني الديكتاتورية منذ الأيام الأولى بعد الإبادة الجماعية عندما قالوا إنهم يحمون السيادة الوطنية لكني أشعر الآن أن هذا يجب أن ينتهي".
وأضافت لرويترز: "الحكومة يجب أن تترك سياسيي المعارضة يعملون بحرية لأن حرمانهم من حقوقهم سيخلق مشاكل. 25 عاما كافية... على الحكومة أن تتيح للناس حرية التعبير عن آرائهم".
لكن كاغامي الذي حصل على قرابة 99 في المئة من الأصوات في انتخابات عام 2017 بلغت نسبة الإقبال فيها 96 في المئة يرفض الانتقادات.
بعد انتهاء المجازر، تولى مناصب قيادية. في عام 2000 انتخبه البرلمان رئيسا وفي 2003 انتخب مرة أخرى وكذلك في عام 2010.
في 2010، فاز في الانتخابات بنسبة 93 في المئة وسط منافسة ضعيفة. وتقول الموسوعة البريطانية إنه خلال تلك الحملة، تم قمع وسائل الإعلام وكل أشكال المعارضة.
في 2015، وافقت أغلبية الناخبين على استفتاء سمح له بالقاء في الحكم مدة ثالثة لمدة سبع سنوات، وإمكانية الترشح مرتين بعدها، مدة كلا منهما خمس سنوات.
بعد إقرار التعديلات، قرر خوض السباق الانتخابي في 2017. هذا القرار قوبل بانتقادات دولية، لكن في نهاية المطاف، فاز الرئيس بسهولة على منافسيه.
خلال إحياء الذكرى يوم الأحد، كان كاغامي يتحدث خلال مؤتمر في مركز المؤتمرات بكيغالي، رمز الحداثة في العاصمة الرواندية والتجدد الحاصل في البلاد خلال 25 عاما.
أشار الرئيس في كلمته إلى النمو الاقتصادي القوي في بلاده والسلام النسبي منذ الإبادة الجماعية.
البنك الدولي يقول على موقعه الإلكتروني إن رواندا تمكنت خلال السنوات العشر الماضية من زيادة نمو اقتصادي وخفض معلات الفقر الذي انخفض، حسب أرقام المؤسسة الدولية، من 44 في المئة في عام 2011 إلى 39 في المئة عام 2014.
ويقول البنك الدولي إن النمو الاقتصادي القوي في رواندا صاحبه ارتفاع مستويات المعيشة، مع انخفاض معدل وفيات الأطفال إلى الثلثين، وزيادة الالتحاق بالمدارس الابتدائية ليقرب من المستويات العالمية.