طارق العسيمي نائب نيكولاس مادورو خلال تدريبات عسكرية في كراكاس في 2018
طارق العسيمي نائب نيكولاس مادورو خلال تدريبات عسكرية في كراكاس في 2018

طارق العيسمي (44 عاما) أحد أقوى المسؤولين في فنزويلا.. فهو نائب الرئيس المطعون بشرعيته نيكولاس مادورو وأقرب المقربين له، لكنه ظل لسنوات هدفا لتحقيقات واسعة النطاق أجرتها وكالة الاستخبارات الفنزويلية، بسبب صلاته بالعالم الإجرامي.

ويشغل العيسمي منصب نائب الرئيس منذ الرابع من كانون الثاني/يناير 2017.

ووفقًا لملف سري جمعه عملاء فنزويليون، فقد ساعد العيسمي وعائلته السورية الأصل في تسلل مقاتلي حزب الله إلى فنزويلا، وانخرطوا في العمل مع تجار مخدرات وقاموا بحماية 140 طنًا من مواد كيميائية يعتقد أنها تستخدم لإنتاج الكوكايين، ما ساعد في تكوين امبراطورية ضخمة في وقت كانت فيه البلاد تعاني فيه من الفوضى والفقر ونقص كبير في الدواء والغذاء.

الحرة تتحرّى: "نظامُ مادورو في فنزويلا ومافيا الولي الفقيه"
Alhurra Investigates - الحرة تتحرّى: "نظامُ مادورو في فنزويلا ومافيا الولي الفقيه"

نلقي الضوءَ في هذا التقرير على شبكة المصالح غير الشرعية وتجارة الممنوعات التي تديرها ميليشيا حزب الله اللبنانية ومن خلفها إيران في فنزويلا. كيف مدّ نظامُ ولاية الفقيه وميليشياته مخالبَهم في ذلك البلد اللاتيني؟

​​الكثير من الاتهامات والإدانات ضد العيسمي وكثير من أفراد عائلته ترويها وثائق داخل ملف في حوزة وكالة الاستخبارات الفنزويلية، التي كان العيسمي يسيطر عليها ذات يوم بحكم منصبه، وهي نتاج تحريات ونتائج تحقيق ونصوص مقابلات مع تجار ومهربي مخدرات لأكثر من عقد من الزمان.

كيف وصل حزب الله إلى فنزويلا من خلال العيسمي؟

الملف الذي قدمه مسؤول مخابرات فنزويلي سابق رفيع المستوى لصحيفة "نيويورك تايمز"، وأكده آخر بشكل منفصل يروي شهادة مخبرين يتهمون العيسمي ووالده بتجنيد أعضاء من حزب الله للمساعدة في توسيع شبكات التجسس وتهريب المخدرات في المنطقة.

وتصنف الولايات المتحدة حزب الله الذي تدعمه إيران، منظمة إرهابية وتفرض عقوبات على أشخاص مرتبطين به في فنزويلا منذ فترة رئاسة جورج بوش الابن (ما بين كانون الثاني/يناير 2001 وكانون الثاني/يناير 2009).

وتعتبر السلطات الأميركية أن حزب الله استخدم أميركا اللاتينية كقاعدة لتمويل نشاطاته منذ سنوات عبر المخدرات وغسيل الأموال، فيما كانت العلاقات بين رئيس فنزويلا السابق هيوغو تشافيز والإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وثيقة.

وفي 2008 فرضت وزارة الخزانة عقوبات على الدبلوماسي الفنزويلي اللبناني غازي نصر الدين الذي شغل منصب القائم بأعمال سفير فنزويلا في دمشق بسوريا واتهم بجمع أموال لحزب الله.

لكن العيسمي ووالده كارلوس زيدان العيسمي، وهو مهاجر سوري عمل مع حزب الله ودفع من أجل إحضار حزب الله إلى فنزويلا.

فبحسب الوثائق فإن والد العيسمي كان ضالعا في خطة لتدريب عناصر حزب الله في فنزويلا، "بهدف توسيع شبكات التجسس في جميع أنحاء أميركا اللاتينية والعمل في الوقت نفسه على تهريب المخدرات".

وبحسب ملف العيسمي الابن في المخابرات، فإنه ساعد في تنفيذ الخطة باستخدام سلطته عن تصاريح الإقامة في إصدار وثائق رسمية لمقاتلي حزب الله، وصلت إلى نحو ألفي وثيقة منها جوازات سفر، مما مكنهم من البقاء في البلاد.

ولا يتناول الملف ما إذا كان حزب الله قد استطاع إنشاء شبكة المخابرات أو تهريب، لكنه يؤكد أن مقاتلي حزب الله استطاعوا تثبيت أركانهم في البلاد بمساعدة العيسمي.

صنع العيسمي عائلة قوية في فنزويلا من خلال أفراد من عائلته نشأوا في فنزويلا، وآخرين من أقربائه جاء بهم من سوريا.  

وارتفع نجم العيسمي في الأوساط السياسية، بداية من كونه أحد المقربين من شقيق الرئيس هوغو تشافيز إلى مشرع عن الحزب الاشتراكي الحاكم، إلى وزير للداخلية في 2008.

والعيسمي الذي يعتبر نفسه قياديا متشددا في الحركة التشافية والذي تولى حقيبة الداخلية والعدل من 2008 إلى 2012، ولد في فنزويلا لأب متحدر من جبل الدروز في سورية وتقلد مناصب عديدة آخرها حاكم ولاية أراغوا (شمال وسط)، التي تعتبر إحدى أكثر ولايات البلاد عنفا.

ودخل العيسمي المعترك السياسي من بوابة الحركة الطلابية حيث كان قياديا ثم أصبح محاميا وخبيرا في العلوم الجنائية وهو يعتبر كذلك أحد أقوى أركان الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم منذ 1999.

مادورو في الأمام وقرينته في الخلف وبجانبها طارق العسيمي

​​​فكيف كونت أسرة سورية إمبراطوريتها في فنزويلا؟

أثناء حملة على الحدود مع البرازيل في عام 2004، اكتشف ضباط من الحرس الوطني مجموعة من "المستودعات التي كانت في حالة تآكل، وكانت تبدو مهجورة".

لكن الموقع لم يكن خاليا، فقد تم اكتشاف مواد كيميائية مخزنة شملت 140 طنا متريا من اليوريا، تستخدم لصنع الكوكايين، وفقا لوثائق المخابرات الفنزويلية.

كانت مادة اليوريا خاضعة للرقابة في فنزويلا، ولم يكن بمقدور المالكين تقديم تراخيص للمواد الكيميائية المشبوهة، وبينما كانت اليوريا يتم بيعها كسماد، كان من المريب وجودها لأن تلك المنطقة لم يكن فيها زراعة، وكان صاحب هذه المواد الكيميائية هو مهرب المخدرات الفنزويلي من أصل سوري أيضا، وليد مقلد. 

كان مقلد يعتبر واحدا من أكثر 5 مهربي مخدرات مطلوبين في العالم، وكان مطلوبا لدى الولايات المتحدة الأميركية.

وبعد ست سنوات ألقي القبض عليه وبالتحديد في 2011 وحكم عليه في 2015 بالسجن 14 عاما بتهم منها تهريب المخدرات وغسل أموال.

مهرب المخدرات الفنزويلي من اصل سوري وليد مقلد اثناء إلقاء السلطات الكولومبية القبض عليه في 2011

​​ في قلب القضية ذاتها كان هناك هيثم العيسمي وهو قريب آخر لطارق العيسمي، أخبر النيابة بأنه الممثل القانوني لاستثمارات مقلد لكنه نجا من الحكم عليه بسبب عدم التعرف على المشترين المحتملين لليوريا.

وتشير الوثائق إلى أن شقيق العيسمي فراز، قد دخل في أعمال تجارية مع أسوأ تجار المخدرات سمعة في فنزويلا، وليد مقلد واحتفظ بما يقرب من 45 مليون دولار في حسابات مصرفية سويسرية.

العيسمي نفسه تربطه صلات بتاجر المخدرات سيئ السمعة هذا، حيث تشير الوثائق إلى أنه أبرم صفقات حكومية ضخمة مع شركات لها علاقة بمقلد.

وفي وقت ما قبل 2010، قام فراز، شقيق العيسمي بالاتصال بمقلد لتقديم مبلغ كبير من المال لشركة استيراد مقرها بنما، كان الغرض هو شراء ناقلة نفط لاستخدامها في عقد مع شركة النفط الحكومية.

وفي شباط/ فبراير 2017 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على العيسمي "لتسهيله نقل مخدرات إلى فنزويلا" من خلال إشرافه على إقلاع طائرات من قاعدة جوية فنزويلية وإشرافه ايضا على موانئ بحرية.

وقالت الوزارة حينها إنه "تلقى أموالا مقابل تسهيله نقل شحنات مخدرات تعود ملكيتها لشبكة الفنزويلي وليد مقلد غارسيا".

وبينما كانت البلاد تتجه بقوة إلى انهيار اقتصادي، ونقص خطير في الغذاء والدواء، مما أجبر الملايين على الفرار من فنزويلا، كان العيسمي يتجه بقوة إلى الثراء.

وقام العيسمي بشراء بنك أميركي وأجزاء من شركة إنشاءات وحصة في مركز تجاري وأرض لمنتجع راقي وعدد كبير من المشاريع العقارية الفنزويلية، بما في ذلك "قصر المليونير" لوالديه، وفقا للوثائق.

في 8 آذار/مارس الماضي كشفت الولايات المتحدة عن إصدارها لائحة اتهام ضد العيسمي، وشريك مفترض هو سامارك خوسيه لوبيز بيلو، بسبب التحايل على العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية وتتعلق بتهريب المخدرات.

رغم كل ذلك، لم توجه له السلطات الفنزويلية تهما رسمية بتهريب المخدرات أو الفساد، ولم يجب على مطالبات مكتوبة لإجراء مقابلة صحفية معه.