توسعت دائرة التوتر الذي يشوب العلاقات الأميركية الصينية من خلاف حول طريقة إدارة العلاقات التجارية إلى اتهامات بالتجسس وتحذير للطلاب الصينيين من الدراسة في الجامعات الأميركية، ومؤخرا التهديد الصيني بالحرب إذا لزم الأمر.
وأخذت الأزمة بين البلدين منحى متصاعدا خلال الأيام الماضية، بصدور تقرير حكومي صيني يدافع عن موقف بكين من الصراع التجاري القائم، وبتصريحات متبادلة بين القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان ووزير الدفاع الصيني وي فنغ خه تناولت قضايا جيو سياسية.
بكين نشرت تقريرا يوم الأحد أكدت فيه أنها التزمت بتعهداتها في 11 جولة من المفاوضات التجارية، وأنها سوف تلتزم بأي اتفاق تجاري يتم التوصل إليه في المستقبل. واتهم التقرير واشنطن بأنها لم تلتزم بتعهداتها بفرضها تعريفات جمركية جديدة "تتجاوز ما تم الاتفاق عليه".
بكين قالت: "كلما نفذنا طلبات، كلما أرادوا (الأميركيون) المزيد".
في واشنطن، اتهم مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي المفاوضين الصينيين بأنهم تراجعوا عن مسودة نسخة لاتفاق تجاري، وهو ما كان يشير إلى تغييرات في القانون الصيني.
فرضت إدارة ترامب رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على ورادات صينية بقيمة 250 مليار دولار وتخطط لفرض رسوم على واردات بقيمة 300 مليار دولار، بهدف تقليل الفائض التجاري مع الصين الذي وصل 379 مليار دولار العام الماضي. بكين ردت بفرض رسوم على بضائع بقيمة 60 مليار دولار دخلت حيز التنفيذ السبت.
وضعت واشنطن شركة هواوي في قائمة سوداء، ما يعني حظر الشركات التقنية الأميركية من تزويدها بمكونات. وجاءت الخطوة بعد اتهام واشنطن لهواوي بالتجسس لصالح الحكومة الصينية. شركات أميركية كبيرة التزمت بالقرار وأوقفت تعاملاتها معها.
بكين ردت بإعلانها إنشاء قائمة بكيانات "غير موثوق بها". وانغ شوين، نائب وزير التجارة الصيني أشار إلى أنها سوف تستهدف الشركات التي "تخالف مبادئ السوق" وأوقفت تصدير المكونات للشركات الصينية لأسباب غير تجارية. تقارير أميركية قالت إن شركات كبيرة مثل آبل وغوغل وإنتل باتت مهددة.
شوين هدد بتقييد تصدير المعادن الأرضية النادرة والتي تستخدم على نطاق واسع في السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة، وأهمها الليثيوم، المكون الرئيسي في البطاريات الحديثة.
يوم السبت، قالت وكالة شينخوا الصينية للأنباء إن السلطات تحقق في قيام شركة "فيديكس" الأميركية للبريد بـ"تقويض الحقوق والمصالح المشروعة للعملاء الصينيين".
المؤسسات التعليمية على الخط
المواجهة بين البلدين وصلت أيضا إلى المؤسسات التعليمية. زو يونغي مسؤولة في وزارة التعليم الصينية حذرت الطلاب الصينيين الاثنين من الدراسة في الجامعات في الولايات المتحدة، ودعتهم إلى تقييم "المخاطر" قبل اتخاذ قرارات بهذا الشأن.
واتهمت إدارة الرئيس ترامب بـ"تسيسس علاقات التبادل التعليمي الأميركية الصينية"، لأن مدرسين وطلابا صينيين يواجهون اتهمات بإطلاق حملات تجسس بقيامهم بتوسيع برامج تعليم اللغة الصينية وأنشطة ثقافية أخرى في الجامعات الأميركية.
ويشكل الطلاب الصينيون جزءا كبيرا من مجموع الطلاب الدوليين في الجامعات الأميركية. صحيفة واشنطن بوست قدرت عددهم في الجامعات الأميركية في العام الدراسي السابق بأكثر من 370 ألفا.
ولكن، حسب أرقام صينية رسمية، هناك زيادة في نسبة رفض طلبات حصول الطلاب الصينيين على تأشيرات للدراسة، من 3.2 في المئة في 2018 إلى 13.5 في المئة في الربع الأول من العام الحالي.
ويقول المسؤولون الصينيون إن البت في التأشيرات قد يستغرق فترة زمنية طويلة، وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة ألغت برنامجا يمنح تأشيرات مدتها 10 سنوات لبعض المدرسين الجامعيين الصينيين.
"سنقاتل بأي ثمن"
وأخذ التصعيد منحى جديدا. واشنطن وبكين اتهمتا بعضهما البعض بزعزعة الاستقرار في آسيا.
شانهان قال السبت في منتدى شانجري-لا الأمني في سنغافورة إن الولايات المتحدة لن تتحاشى بعد الآن سلوك الصين في آسيا، سواء في تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
وصف شانهان جهود الصين لسرقة التكنولوجيا من الدول الأخرى وعسكرة مواقع أنشأتها في بحر الصين الجنوبي، بأنها "أدوات إكراه" لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد.
سبق هذه التصريحات زيادة في الدعم الأميركي لتايوان، فقد أبحرت سفن أميركية عبر مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي في الصين. (يذكر أن الصين تعتبر تايوان جزءا من أراضيها ولا تعترف باستقلالها، ورغم أنها تتحدث عن رغبة في "إعادة توحيد" سلمية، لا يستبعد مسؤولون صينيون استخدام القوة لاستعادتها).
في أيار/مايو الماضي، التقى ديفيد لي قائد الأمن القومي التايواني بجون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، في أول اجتماع منذ أكثر من أربعة عقود بين مسؤولين أمنيين أميركيين وتايوانيين كبار.
الموقف الأميركي من السلوك الصيني في آسيا أغضب بكين التي هددت بالقتال إذا لزم الأمر.
شاو يوان مينغ، وهو مسؤول كبير في جيش التحرير الشعبي الصيني، قال لرويترز إن نشاط الولايات المتحدة في تايوان وبحر الصين الجنوبي "لا يؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة"، وحذر من أن بلده "ستدافع عن تايوان بأي ثمن" لو حاولت أية جهة فصل تايوان عن الصين.
وزير الدفاع الصيني وي فنغ خه الذي ظهر في المنتدى الأمني، قال إن الصين "ستقاتل حتى النهاية" إذا حاول أحد التدخل في علاقتها مع تايوان.
وقال وي، وهو أول وزير دفاع صيني يتحدث في المنتدى منذ عام 2011، إن عمليات بكين العسكرية في آسيا هي للدفاع عن النفس فحسب لكنها لن تتردد في التصدي لأي هجوم على مصالحها.
وأضاف وي الذي كان يرتدي زيه بوصفه جنرالا في جيش التحرير الشعبي الصيني "الصين لن تهاجم إلا إذا هوجمت"، وحذر من عواقب وخيمة لأي اشتباك بين الصين والولايات المتحدة: "الجانبان يدركان أن الصراع، أو اندلاع حرب بينهما، سيكون كارثة بالنسبة للبلدين والعالم".
ذكرى تيانانمن
السجل الصيني في مجال حقوق الإنسان ظهر أيضا على السطح هذه الأيام مع حلول الذكرى الثلاثين لحملة القمع الدامية التي شنها الجيش الصيني على المحتجين في ميدان تيانانمن في بكين.
بهذه المناسبة، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا أشارت فيه إلى "حركة المظاهرات البطولية التي قام بها الشعب الصيني، والتي انتهت في الرابع من حزيران/يونيو 1989 عندما أرسل الحزب الشيوعي دبابات إلى ساحة تيانانمن لتقمع بالعنف المظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع حد للفساد المتفشي".
بيان وزير الخارجية مايك بومبيو ذكر أن الولايات المتحدة كانت تأمل خلال العقود التي تلت هذه الحملة "أن يحقق اندماج الصين في النظام الدولي مجتمعا أكثر انفتاحا وتسامحا، إلا أن تلك الآمال قد تبددت".
البيان ذكر أن دولة الصين "لا تتسامح مع أي معارضة وتنتهك حقوق الإنسان عندما يخدم ذلك مصالحها ويتعرض المواطنون الصينيون لموجة جديدة من الانتهاكات اليوم".
وزير الدفاع الصيني، من جانبه، دافع عن تعامل الحكومة مع "أحداث" تيانانمن، وقال إن "الحكومة كانت حاسمة في وقف هذا الاضطراب". ورغم أن تصريحاته كانت مدافعة عن هذه الحملة، إلا أنها اعتبرت اعترافا رسميا نادرا بها.
انفراجة محتملة
تقول وكالة أسوشييتد برس عن تقرير بكين الأخير بشأن الأزمة التجارية مع واشنطن إنه محاولة لتبرير موقفها، مشيرة إلى أنها في الآونة الأخيرة قامت بتعبئة ممثليها في الخارج لشرح هذا الموقف، في ما تقوم أجهزتها الداخلية بإقناع الرأي العام بأنها على صواب.
تقول ليندا ليم الأستاذة في كلية روس للأعمال في جامعة ميشيغان، إن التقرير لا يمثل تصعيدا من جانب بكين لكنه يعيد التأكيد على موقفها بلغة أكثر وضوحا ويفتح في الوقت ذاته بابا للتفاوض. وأضافت أنهم "يرمون الكرة مجددا في ملعب الولايات المتحدة".
وعلى الرغم من الاتهامات المتبادلة، يحذر مسؤولون من الطرفين من مغبة أي مواجهة عسكرية.
وزير الدفاع الصيني أكد أن أي حرب عسكرية بين البلدين ستكون كارثية، و قال "إن الأمر يتطلب شخصين اثنين للتعاون وشخصا واحدا فقط لبدء القتال".
وبشأن النزاع التجاري، أشار الوزير إلى أن بلاده "ستقاتل" لكنها "سنبقي الباب مفتوحا" إذا كانت واشنطن تريد الحوار" وأعرب عن أمله "في العمل مع الجانب الأميركي لتحقيق الهدف ذاته.. وتوجيه العلاقات الصينية الأميركية إلى الاتجاه الصحيح".
وحسب أسوشييتدبرس، فإن وجود وزير دفاع صيني في هذا المنتدى لأول مرة منذ سنوات هو محاولة "واضحة من جانب الصين لتعزيز علاقاتها في المنطقة وسط حرب تجارية مع الولايات المتحدة".
ورغم هذه المعركة الكلامية، التقى وزيرا الدفاع الصيني والأميركي على هامش المؤتمر واتفقا على تحسين التواصل وتعميق التعاون بين جيشي البلدين.
صحيفة وول ستريت جورنال قالت إنهما تجنبا استخدام خطاب أكثر تشددا كان يستخدمه مسؤولو البلدين في الماضي القريب.
الصحيفة رأت أن شانهان كان أقل حدة في تعليقاته حول عسكرة الصين للجزر في بحر الصين الجنوبي من سلفه الوزير السابق جيمس ماتيس. بعض أعضاء الوفد الصيني قالوا إنه لم يشر إلى الصين صراحة في بعض الأحيان خلال تعليقاته.
الولايات المتحدة، حسب بعض المصادر المطلعة، أرادت أن تقول لحلفائها من خلال هذا المنتدى إنها جادة بشأن تنفيذ استراتيجية جديدة للمنطقة لمواجهة الصين، وليس مجرد إصدار تصريحات علنية مثلما كان يحدث في المنتديات السابقة، وفي الوقت ذاته، تقول الصحيفة، كان المسؤولون الأميركيون حريصين على إظهار أنهم "يحاولون إعادة الاستقرار للعلاقات العسكرية مع الصين، وتحسين الاتصالات مع بكين لمنع اندلاع حرب يمكن أن تشمل الحلفاء والشركاء في المنطقة".
وأشارت وول ستريت إلى أن هدف بكين، وفقا لأعضاء الوفد الصيني، هو التصدي للنقد الأميركي، وفي الوقت ذاته العمل على منع تعقيد المواجهة معها التي تعقدت بانهيار المحادثات التجارية وبالعقوبات التجارية على هواوي.