تجدّد خلال الأيام الأخيرة في الجزائر الحديث عن الأمازيغية والأصول الحقيقية للشعب الجزائري، وغذت هذه المواضيع الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.
قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، الذي يقود المرحلة الانتقالية بصفة غير رسمية، أبدى نيته في منع رفع أي راية غير الراية الوطنية خلال المسيرات وهو ما فهم أنه منع للراية الثقافية التي يرفعها الأمازيغ خلال المظاهرات.
وشهدت الجمعة الأخيرة من الحراك الشعبي مشادات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن التي حاولت تنفيذ تعليمات صالح لكن دون جدوى.
صور المشادات بين رجال الشرطة والمتظاهرين من حاملي الرّاية الأمازيغية ثلاثية الألوان "أشعلت مجددا الصراع المرير بين الأمازيغ والسلطة" كما ترى حياة عبة الناشطة الأمازيغية من الجزائر.
وفي اتصال مع "الحرة" شددت عبّة على ضرورة التمسك بحق الأمازيغ في المواطنة "وعدم الانسياق وراء استفزازات السطلة" وفق تعبيرها.
كما لفتت المتحدثة إلى من وصفتهم بـ "المثيرين للجدل من أشباه السياسيين" ودورهم في إشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، في إشارة منها للبرلمانية نعيمة صالحي التي دعت في فيديو نشرته على صفحتها في فيسبوك لمقاطعة الأمازيغ وعدم التعامل معهم ولا الزواج منهم!
لكن بلقاسمي عثمان، وهو أستاذ جامعي في كلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، يرى أن الصراع بين السلطة والأمازيغ، خصوصا المنحدرين من منطقة القبائل شرقي العاصمة، كثيرا ما غذى الحياة السياسية بالجزائر.
وخلال مقابلة مع "الحرة" رفض بلقاسمي إيلاء أي اعتبار لحديث صالحي التي "عوّدت" رواد مواقع التواصل الاجتماعي على مثل هذه التصريحات.
في المقابل يفضل بلقاسمي التركيز على صراع السلطة والأمازيغ الذي أضحى ورقة في يد السلطة تلعب بها كلما أحست أن وجودها في خطر.
وعبر في السياق عن استغرابه لحديث صالح الذي كان من المفروض "أن يركز على مطالب الشباب بدلا من الحديث عن الراية الأمازيغية" الحاضرة في المظاهرات منذ بدئها في 22 شباط/ فبراير.
بلقاسمي أكد خطورة ذلك في ضوء ما حدث بين الأمازيغ والسلطة منذ قيام الدولة الجزائرية إثر استقلالها عن فرنسا سنة 1926، بل حتى قبل اندلاع ثورة التحرير ضد فرنسا.
فيما يلي أبرز محطات الصراع بين الأمازيغ والسلطة بالجزائر:
الأزمة البربرية 1949
كانت سنة 1949 أولى محطات صراع الهوية، كما يفضل تسميته مناضلو القضية الأمازيغية بالجزائر.
فحزب الشعب بقيادة مصالي الحاج، قدم مذكرة للأمم المتحدة تتضمن أبعاد الشخصية الجزائرية، لخصها في العروبة والإسلام؛ وهو ما لم يستسغه أعضاء الحزب من الأمازيغ فاندلعت أزمة داخل الحزب كادت أن تعصف به.
وبعد تصدر جبهة التحرير الوطني كممثل وحيد خلال حرب التحرير، ورث لسان حال الشعب تلك الصراعات واستمر ذلك إلى غاية ما بعد الاستقلال سنة 1962.
الربيع الأمازيغي 1980
منعت السلطات الجزائرية نهاية آذار/ مارس محاضرة لمفكر أمازيغي، اندلعت إثرها أحداث مريرة أصبحت بعد ذلك أرضية لمطالب الأمازيغ، ويعتبرها كثيرون محطة مفصلية في تاريخ هذا الصراع.
ظهر خلال تلك الأحداث عدد من المناضلين البارزين ممن اعتقلتهم السلطات، وهم 24، أبرزهم مقران آيت العربي الذي كان إلى وقت قريب مدير حملة اللواء علي غديري لانتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في نيسان/ أبريل الماضي، وسعيد سعدي زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
الربيع الأسود 2001
كان ربيع السنة الثالثة من حكم الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة قاسيا على الأمازيغ، إذ شهد سقوط ما لا يقل عن 126 قتيلا منهم، بحسب جمعيات أمازيغية.
بدأت الأحداث إثر وفاة شاب بمخفر للدرك في تيزي وزو، معقل الأمازيغ، ثم توالت الأحداث لتندلع مشادات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن أفضت إلى أزمة حقيقية، خصوصا بعد تضامن أمازيغ الشاوية مع القبائل (سكان تيزي وزو) واتساع رقعة الاحتجاجات.
وفي 14 حزيران/ يونيو نزل مئات الآلاف من أمازيغ القبائل إلى العاصمة مشيا على الأقدام للمطالبة بحرية التعبير وترسيم اللغة الأمازيغية. وكانت تلك محطة مفصلية "أجبرت" بوتفليقة على توثيق الامازيغية في الدستور سنة 2002 قبل الاعتراف بها لغة وطنية في دستوره الأخير سنة 2016.