تتعرّف سوسن على الوجه الآخر لمدينة بغداد منذ عام تقريباً، بدأته بتلبية دعوة لحفل عيد ميلاد صديقة، في مقهى يقع في الطابق الأخير لأحد المباني.
تخرج هذا المساء بعباءتها السوداء، مسرعة نحو المقعد الخلفي في التاكسي، وتبدأ سرد تجربتها في الاستمتاع بليالي بغداد خارج المنزل.
تقول سوسن لـ(ارفع صوتك): "أثار انتباهي الاختلاف بين الموجودين داخل المقهى، والناس الذين نقابلهم خارجه".
تواصل "كانوا يستمتعون بالغناء والرقص، كأنك في بلد آخر ليس العراق، وبين الدخول والخروج ترى الفرح يكسو الوجوه، ما جعلني أكرر زيارة المقهى".
تستدير سوسن، تخلع عباءتها السوداء، ترتدي تحتها بنطالاً أسود وقميصاً أحمر. تقول "عاشت عائلتي فترة خارج البلاد، وحين عدنا عام 2010 تفاجأنا بتغير الحياة في بغداد، حيث أصبح أهلها يخافون الخروج ليلاً، تجنباً للشبهات أو التعرض للقتل".
تضيف "بدأت الأمسيات والسهرات تعود إلى ليل بغداد تدريجياً، وأصبح دخول النوادي الليلية متاحاً لكن بشكل شبه سرّي".
ثقافة كورية
رغبة سوسن في ارتياد الحفلات الليلية، لا تختلف عن ميس (17 عاماً). وتواظب الأخيرة على ارتداء ملابس الفرق الكورية المشهورة، وتسمي نفسها "آر ميس".
تذهب ميس مع مجموعات شبابية تتابع الفرق الكورية وتحفظ أغانيها، وتقيم حفلات رقص وغناء بشكل شبه دوري. تقول "أشارك فيها، هي ليست حفلات سرية، لكنها ليست علنية، خشية من المضايقات".
وتجيد ميس التحدث والغناء باللغة الكورية، كما الكثير من عشاق الثقافة الكورية داخل العراق، ولا تلقي بالاً للأخبار السياسية والأمنية.
في ذات السياق، نلتقي وليد عبد الله، وهو طالب في السادس إعدادي. يقول إنه حريص على ارتياد النوادي الليلة مع أقرانه بين الحين والآخر، مضيفاً "هذه النوادي ليست مفسدة للأخلاق كما يقول البعض عنها".
أعزف بسرية
من زاوية أخرى، يقول وليد لـ (ارفع صوتك) إن الشباب من جيله بحاجة للاطلاع على نمط الحياة في هذه الأماكن، والسبب برأيه "الشعور بقيمة حب الحياة بعيداً عن اليأس والتذمر اللذين نتعرض لهما في العراق".
يضيف "أنا حريصٌ على دراستي، واكتشاف الجميل والممتع بهذه الحياة لا يزيدني إلا اصراراً كي أعشيها".
قصة الإصرار، تبدو عند العازف علي حميد (25 عاماً) مختلفة قليلا. يقول لـ (ارفع صوتك) إنه لجأ للعزف "صدفة"، إذ دفعته الظروف المعيشية الصعبة للجلوس في ناد ليلي خلف مطربين كبار وموسيقيين، مقابل أجور زهيدة، فقط "لتوفير لقمة العيش".
يقول علي "كان الليل في بغداد قبل سنوات مختلفاً جدا، وخطيراً، وكنت أعمل وأعزف بسرية خوفاً من التصفيات والقتل، خصوصاً من الجماعات الدينية المتطرفة، لكن تأثيرهم تراجع تدريجياً".
من جهته، يقول عمار وهو مدير نادٍ ليلي في بغداد: "رغم عودة الحياة إلى ليل المدينة، وعودة الشبّان والشابّات للسهر إلاّ أن الخوف لا يزال يتملكنا، بسبب عدم الوصول لحالة الاستقرار بعد".
ويهتم عمار كثيرا في توفير حراسات شخصية مسلحة للنادي بسريّة، بهدف حمايته والحفاظ على سلامة روّاده، كما يحاول قدر المستطاع أن يحافظ على نوعية معينة من الزبائن، موضحاً "أفضّل الذين نعرفهم شخصياً، فالغرباء عادة يسببون كما نخشى الجماعات المتطرفة، والانتقامات العشائرية".
وكانت السلطات العراقية أغلقت عشرات النوادي الليلية في العاصمة في آب/ أغسطس 2017، ما أثار ضجة بين أوساط عراقية.