ودعت مصر يوم الاثنين الجندي الذي كان أول من رفع علم مصر على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال حرب أكتوبر عام 1973.
وشيعت جنازة محمد العباسي الذي توفي عن عمر ناهز 72 عاما، في مسقط رأسه في مدينة القرين بمحافظة الشرقية في دلتا النيل بعد الظهر، وقد لف جثمانه بالعلم المصري تقديرا للدور الذي قام به خلال تلك الحرب.
قضى العباسي الشهير باسم "محمد أفندي العباسي" تسع سنوات في الجيش بدءا من الأول من يونيو من عام 1967 أي قبل أيام من "النكسة"، في إشارة إلى هزيمة الجيش المصري أمام الجيش الإسرائيلي في يوم الخامس من يونيو.
كان العباسي المولود في فبراير من عام 1947 جنديا في سلاح المشاة، بكتيبة للجيش في مدينة الإسماعيلية في الضفة الغربية لقناة السويس، وعند العبور كان في طليعة جنود المشاة الذين عبروا القناة عندما حانت ساعة الصفر (الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر).
يصف لحظة العبور بأنها "اللحظة التي طال انتظارها"، بعد سنوات عديدة قضاها في الجيش وبعد الاستعدادات الشاقة لها. يقول إن الجميع كان ينتظر هذه اللحظة لتدمير خط بارليف" الذي لايقهر".
عندما انتقل العباسي ورفاقه إلى غرب القناة كانوا يشاهدون بناء خط بارليف. أكثر من 30 دُشمة (نقطة عسكرية حصينة) من السويس إلى بورسعيد تم بناؤها خلال أربع سنوات، إلى جانب الدفاعات العسكرية الإسرائيلية الشديدة لحمايتها. وكانت لديهم أوامر بعدم إطلاق النار مهما كانت الظروف.
يشير العباسي في حواراته إلى أن الجنود تلقوا قبل العبور تدريبات مكثفة على فك وتركيب السلاح.
في يوم الخامس من أكتوبر اجتمع أحد القادة بالجنود وتحدث معهم عن منزلة الموت في سبيل الوطن. شعر الجميع بأن ساعة الصفر قد اقتربت.
وفي اليوم المحدد، أبلغهم قائد الكتيبة أن المدفعية الثقيلة سُتطلق بين الساعة الثانية والثانية وخمس دقائق بعد ظهر السادس من أكتوبر، وبعدها ستمر الطائرات الحربية، ثم تٌطلق قذائف أخرى للمدفعية، وعندها يعبر المشاة والمهندسون قناة السويس بالقوارب.
في صباح ذلك اليوم، تم توزيع الطعام على الجنود. كان هناك شعور بالخوف ممزوجا بالرغبة في القتال. كتب العباسي وصيته، ووضعها في جيبه، وأوصى أحد رفاقه بأن يسلمها لأهله في حال وفاته.
كان العباسي من بين أفراد المجموعة الأولى للمشاة الذين عبروا بالقوارب. "كنا نحمل أرواحنا على أكتافنا" يقول الجندي السابق في إشارة إلى أنه كانت هناك احتمالات قوية لتعرضهم لإطلاق النار خلال الرحلة الصعبة.
عند ساعة الصفر، عبر الجنود حتى وصلوا إلى دشمة حصينة في خط بارليف. صعد العباسي فوقها وسط الأسلاك الشائكة التي مزقت ملابسه، ولم يكن قد تم تأمين المكان بعد، أي أنه كان يمكن أن يتعرض لإطلاق نار.
وهنا نادى قائد الكتيبة، الذي قام بدوره بتسليمه العلم المصري الذي كان معه، فقام بإنزال العلم الإسرائيلى ورفع العلم المصرى فوق أول نقطة مصرية تمت السيطرة عليها.
المحافظ السابق لمحافظة الشرقية نعاه في منشور على فيسبوك:
وبعد ظهر الاثنين، شيع آلاف من أهالي القرين الرجل الذي أكدت صحف مصرية عديدة من بينها الأهرام الحكومية أنه أول من رفع العلم المصري بعد العبور.
وخرج الجثمان ملفوفا بالعلم المصري، من مسجد "العباسي" الذي سمي باسمه تكريما له.
في السادس من أكتوبر من عام 1973 نفذت مصر هجوما مفاجئا على القوات الإسرائيلية بالتزامن مع هجوم سوري على هضبة الجولان لاستعادة شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
وفي الـ22 من الشهر ذاته، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338، والذي دعا فيه جميع الأطراف المشتركة في القتال إلى وقف إطلاق النار. وتلا القرار انسحاب القوات الإسرائيلية من نقاط التفتيش وإحلالها بقوات تابعة للأمم المتحدة.
وفي عام 1974 توقف القتال بين مصر وإسرائيل، ووقعت سوريا وإسرائيل اتفاق فض اشتباك.
وبدأت إسرائيل ومصر بعد ذلك مفاوضات طويلة لإحلال السلام بين البلدين، كان من أهم محطاتها توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في منتجع كامب ديفيد قرب واشنطن برعاية الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر.
وانتهت مفاوضات السلام بتوقيع البلدين في الـ26 من مارس 1979 على معاهدة السلام، التي حددت طبيعة العلاقة بين البلدين لتتوقف بعدها طبول الحرب.