مهاجرون من دول إفريقية ينتظرون في مركز مكسيكي منحهم تأشيرات إنسانية لدخول البلاد ومواصلة طريقهم نحو الولايات المتحدة
مهاجرون من دول إفريقية ينتظرون في مركز مكسيكي منحهم تأشيرات إنسانية لدخول البلاد ومواصلة طريقهم نحو الولايات المتحدة

عبرت مارلين تاتانغ (23 عاما) حدود تسع دول على مدى شهرين للوصول إلى المكسيك قادمة من الكاميرون في غرب أفريقيا، فرارا من العنف السياسي، بعد أن أحرقت الشرطة منزلها.

تعتزم مارلين ركوب حافلة قريبا صوب الشمال لمدة أربعة أيام أخرى لعبور حدود الدولة العاشرة حيث وجهتها النهائية.. الولايات المتحدة والحلم الأميركي.

لم تكن مارلين وحدها التي تسلك هذا الطريق، بل إن عددا قياسيا من الأفارقة يسافرون جوا لأميركا الجنوبية، ثم يقطعون آلاف الأميال عبر طرق سريعة وغابات مدارية مطيرة للوصول للولايات المتحدة.

ومارلين حبلى في شهرها الثامن، وعبرت نهرا بطوف بدائي لتصل إلى المكسيك في الثامن من يونيو، بعد يوم واحد من إبرام المكسيك اتفاقا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبذل مزيد من الجهد للحد من أكبر تدفق للمهاجرين المتجهين للحدود الأميركية في أكثر من عشر سنوات.

​​وأغلب المهاجرين الذين يبذلون محاولات مضنية لدخول الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية من دول في أمبركا الوسطى، لكن عددا متزايدا من بضعة دول أفريقية انضموا إليهم ما دفع ترامب والمكسيك لدعوة دول أخرى في أميركا اللاتينية للقيام بدورها لإبطاء تدفق المهاجرين بشكل عام.

ويقول خبراء معنيون بشؤون الهجرة إن معرفة مزيد من الأفارقة من أقارب وأصدقاء قطعوا الرحلة بأن عبور أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة صعب لكنه ليس مستحيلا يشجع المزيد منهم للقيام بها ويساعد آخرين كي يحذو حذوهم.

وقالت ميشيل ميتلستات مديرة الاتصالات في معهد سياسات الهجرة، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، إن صدى تهديدات ترامب بشن حملة مناهضة للمهاجرين تردد في أنحاء العالم ولكن ذلك أتى بنتيجة عكسية ودفع البعض لاستغلال ما اعتبروه بابا يوشك على الاغلاق.

وأضافت "تلك الرسالة وصلت ليس فقط لأميركا الوسطى بل لمناطق أخرى في العالم".

​​وتشير بيانات وزارة الداخلية المكسيكية إلى أن أعداد المهاجرين القادمين من أفريقيا ستتخطى الأرقام القياسية هذا العام.

وزاد عدد الأفارقة الذين سجلتهم السلطات المكسيكية لثلاثة أمثال في الأشهر الأربعة الأولى من 2019 مقارنة بذات الفترة قبل عام ليصل إلى نحو 1900 شخص أغلبهم من الكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية حيث ما زالت الأوضاع في الدولتين مضطربة بعد سنوات من نهاية صراعات دموية في المنطقة مع دول جوار أدت لمقتل الملايين.

"كانوا سيقتلونني"

​​

 

 

وقالت مارلين التي كانت تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية إنها غادرت شمال غرب الكاميرون بسبب تفاقم العنف في المنطقة المتحدثة بالإنكليزية التي يقاتل فيها انفصاليون الحكومة التي يهيمن عليها المتحدثون بالفرنسية من أجل حكم ذاتي.

وتحدثت عن القوات الحكومية التي حاولت القبض عليها قائلة "كنت سيئة جدا بالنسبة لهم لدرجة أنهم أحرقوا المنزل الذي كنت أعيش فيه... كانوا سيقتلونني".

وفي البداية كانت مارلين لا تعتزم سوى عبور الحدود إلى نيجيريا لكنها سمعت بعد ذلك أن البعض تمكنوا من الوصول للولايات المتحدة.

وأضافت "قال لي البعض: (تستطيعين فعل ذلك)... وسألت إن كان من الممكن لشخص مثلي، لأنني حبلى، وقالوا: (افعلي هذا وافعلي ذاك)".

وتوسلت مارلين لأسرتها للحصول على نقود للرحلة التي كلفتها حتى الآن على حد قولها خمسة آلاف دولار.

وقالت إنها بدأت برحلة جوية للإكوادور، التي لا تتطلب من حاملي جنسية الكاميرون تأشيرة دخول، ثم قطعت بعد ذلك الطريق عبر كولومبيا وبنما وكوستاريكا ونيكاراغوا وهندوراس وغواتيمالا وصولا إلى المكسيك بالحافلة وسيرا على الأقدام.

ولم تقرر مارلين بعد ما الذي ستفعله عندما تصل إلى مدينة تيخوانا المكسيكية في الشمال على الحدود مع الولايات المتحدة.

وقالت وهي تربت برفق على بطنها حيث بلغ حملها الشهر الثامن وهي جالسة على مقعد خرساني خارج مكتب الهجرة في مدينة تاباتشولا جنوبي المكسيك "سأسأل فحسب... لا أستطيع معرفة (ما سيحدث) عندما أصل إلى هناك. سأفعل ذلك لكن لا أعرف. لم أذهب إلى هناك من قبل".

وزاد عدد المهاجرين الأفارقة غير المسجلين لدى سلطات المكسيك لأربعة أضعاف مقارنة بعددهم قبل خمسة أعوام إذ وصل في عام 2018 إلى ما يقرب من ثلاثة آلاف.

ويحصل أغلبهم على تأشيرة دخول لمدة 20 يوما تسمح لهم بالوصول لحدود البلاد ثم يعبرون للولايات المتحدة ويطلبون اللجوء.

ولا يختار الكثيرون التقدم بطلب لجوء في المكسيك لأسباب منها عدم تحدثهم الإسبانية. وتقول مارلين إن عائق اللغة شكل مشكلة كبيرة بالنسبة لها بشكل خاص لأنها لا تتحدث إلا الإنكليزية ما صعب من التواصل مع مسؤولي الهجرة في المكسيك ومع مهاجرين أفارقة آخرين يتحدثون الفرنسية بالأساس.

وقالت فلورانس كيم المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة في غرب ووسط أفريقيا إن من يصلون للولايات المتحدة يرسلون بنصائح لمعارفهم في بلادهم لتسهيل الرحلة على الآخرين.

وعلى غرار ما يفعله المهاجرون من دول أميركا الوسطى قالت ميتلستات إن بعض الأفارقة يأتون بصحبة أسرهم على أمل أن يسهل لهم ذلك الدخول أكثر من سفرهم بمفردهم.

وتظهر بيانات أميركية ارتفاعا ضخما في عدد الأسر التي تصل من دول بخلاف المكسيك والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس إلى الحدود الجنوبية للبلاد.

ويشير تحليل للبيانات أجراه معهد سياسات الهجرة إلى أن عددهم وصل إلى 16 ألفا، وهم أفراد أسر سجلتهم السلطات، في الفترة من أكتوبر وحتى مايو ارتفاعا من ألف خلال عام 2018 بأكمله.

نهج إقليمي

​​

 

 

وعلى الرغم من صعوبة الطريق ومخاطره فإن هناك ميزة أساسية فيه وهو أن دول المنطقة لا ترحل المهاجرين القادمين من قارات أخرى لأسباب منها ارتفاع تكلفة هذه العملية وعدم وجود اتفاقات لإعادة المهاجرين مع دولهم.

لكن هذا النهج المتساهل قد يتغير.

وبموجب اتفاق أبرمته المكسيك مع الولايات المتحدة الشهر الماضي فقد تبدأ هذا الشهر عملية لإدراج المكسيك في قائمة الدول الثالثة الآمنة ما يجعل من الممكن لطالبي اللجوء البقاء فيها بدلا من اللجوء للولايات المتحدة.

ولتخفيف الضغط الناجم عن ذلك عن المكسيك تخطط الدولتان لممارسة ضغوط على دول أميركا الوسطى لفعل المزيد لمنع المهاجرين، ومن بينهم الأفارقة، من السفر صوب الشمال.

لكن حتى ذلك الحين تتوقع كيم محاولة المزيد من الأفارقة القيام بتلك الرحلة. وقالت "يريدون أن يغيروا حياتهم. يشعرون أن لا مستقبل لهم في بلادهم".

----------------- 

مصدر التحقيق: رويترز