في أعقاب احتجاز سلطات جبل طارق بمساعدة البحرية الملكية البريطانية ناقلة النفط الإيرانية العملاقة "غريس 1" لنقلها نفطا خاما إلى سوريا، يطرح السؤال التالي نفسه: لماذا كانت الناقلة بعيدة عن مصدرها وغايتها؟
أي سفينة محملة بالبضائع من إيران، لا تحتاج سوى مغادرة الخليج، لتدور بعد ذلك حول شبه الجزيرة العربية ثم تدخل البحر الأحمر فتعبر قناة السويس لترسو أخيرا في ميناء سوري.
لكن "غريس 1"، سلكت طريقا مختلفا وطويلا، إذ دارت حول القارة الإفريقية في رحلة تمتد على 12 ألف ميل بحري من أجل الوصول إلى سوريا. هذا كان الطريق المعتمد لرحلات السفن قبل بناء قناة السويس منذ أكثر من قرن.
وأكدت عدة شركات تتعقب الطرق التي تسلكها السفن مثل كيبلر (Kpler) وتانكر تراكر (TankerTrackers) وغيرها، المسار الذي قطعته "غريس 1".
وعمدت إيران إلى تسليم نظام بشار الأسد نفطا بثمن زهيد أو حتى من دون مقابل لسنوات، لأن معظم حقول سوريا النفطية المتواضعة ليست بيد حكومة دمشق.
وذكر راديو فاردا الأميركي المتابع للشؤون الإيرانية، أن بيانات حصل عليها من شركة كيبلر تكشف أن إيران سلمت ما بين يناير 2017 وأكتوبر 2018، 50 ألف برميل نفط للأسد بشكل يومي
ويصل سعر كل ذلك وفق متوسط أسعار النفط العالمية إلى حوالي ثلاثة ملايين دولار في اليوم أو أكثر من مليار دولار في العام، وهي أموال لا يملكها نظام الأسد نظرا للحرب الأهلية المستمرة والتي دمرت البلاد.
لكن تدفق الذهب الأسود إلى سوريا، توقف في نوفمبر 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية. وعلى أثر ذلك، بدأت سوريا تشهد نقصا حادا في البنزين عكسته الطوابير الطويلة أمام محطات البنزين في دمشق، والتي ظهرت في صور نقلتها وسائل إعلام سورية وعربية.
لكن الشحنات الإيرانية، استؤنفت خلال الشهرين الماضيين. وأفادت شركة تانكر تراكر، بأن إيران عملت على تصدير النفط الخام لسوريا بمتوسط 100 ألف برميل يوميا.
وكشف تقرير صدر في الآونة الأخيرة، أن ناقلة نفط إيرانية تحمل مليون برميل نفط، كانت تنتظر قبالة السواحل السورية لعجزها عن تسليم حمولتها بسبب انفجار في خط أنابيب تحت الماء ينقل الخام إلى مصفاة سورية. واتهمت وسائل الإعلام السورية "قوة خارجية" بالوقوف وراء تفجيره.
وفي وقت لاحق، أعلنت سوريا إصلاح الخط، وأكدت شركة تانكر تراكر أن ناقلة النفط الإيرانية سلمت الشحنة يوم الثلاثاء 2 يوليو الجاري، مشيرة إلى أن سفينة نفط إيرانية أخرى في طريقها إلى سوريا.
ويبدو أن ناقلات النفط الإيرانية المتوجهة إلى سوريا سلكت عادة أقصر طريق عبر قناة السويس.
لكن لماذا خالفت "غريس 1" تلك القاعدة؟
في العادة، تعبر ناقلات النفط العملاقة قناة السويس، لكن الجزء السفلي من هذه السفن، ينبغي ألا يكون تحت الماء بعمق يزيد على 20 مترا. وإذا كانت وزن ناقلة النفط أثقل، بإمكانها تخفيف حمولتها قبل دخول القناة، وضخ ما تم إنزاله عبر خط ينقل النفط إلى الجانب الآخر من القناة. غير أن السعودية، التي تملك بشكل جزئي خط النفط في القناة، لا تسمح للنفط الإيراني المتوجه نحو سوريا بالاستفادة من تلك الخدمة.
وبحسب تانكر تراكرز، فإن "غريس 1"، غاصت لأكثر من 20 مترا في الماء بسبب حمولتها الثقيلة.
يشار إلى أن طاقة "غريس 1" الاستيعابية تبلغ أكثر من مليوني برميل من النفط الخام وهو أخف وزنا من الوقود. ويبدو أن الوزن الزائد في الناقلة كان بسبب شحنتها من زيت الوقود.
أما الاحتمال الآخر، إلى جانب الرفض السعودي، وعدم إمكانية استخدام أنبوب النفط المصري في قناة السويس، فقد يكون لعدم إمكانية استخدام أنبوب النفط المصري، لنقل الوقود الثقيل. ويستخدم الأنبوب لنقل النفط الخام أو شبه الخام الخفيف.
ويرجح أن الوقود الثقيل الذي تنقله "غريس 1"، يستخدم للسفن أو محطات توليد الكهرباء.
وطالبت إيران بريطانيا بالإفراج عن سفينتها، لكن قرار اعتراض "غريس 1" البالغ طولها 330 مترا، تم بناء على عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على نظام الأسد في عام 2011.
وحتى الساعة، لم تصدر كثير من الدول موقفها من التصرف البريطاني. لكن الولايات المتحدة رحبت بالخطوة وقال مستشار الأمن القومي جون بولتون إنه "نبأ ممتاز".
ويأتي احتجاز الناقلة الإيرانية، في وقت حساس في العلاقات الأوروبية الإيرانية، إذ يدرس الاتحاد الأوروبي سبل الرد على إعلان طهران تخصيب اليورانيوم بمستوى يحظره الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بينها والدول الكبرى.