أصابت قطاع النفط والغاز خسائر كبرى جراء النزاع المستمر في سوريا منذ ثماني سنوات، تقدر بعشرات مليارات الدولارات، في وقت لا تزال أبرز الحقول خارج سيطرة قوات النظام.
أبرز حقول النفط والغاز
تتقاسم قوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية بشكل أساسي ثروات النفط والغاز، إذ تقع أبرز حقول النفط وأكبرها تحت سيطرة الأكراد، فيما تسيطر دمشق على أبرز حقول الغاز.
تسيطر قوات سوريا الديموقراطية بشكل رئيسي في دير الزور (شرق) على حقول العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا.
كما تسيطر على الرميلان في الحسكة (شمال شرق) وحقول أصغر في الحسكة والرقة (شمال). ويقع حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة تحت نطاق سيطرتها.
قوات النظام تسيطر من جهتها بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور وحقل الثورة في الرقة وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص.
قيمة الخسائر
لطالما شكل قطاع النفط والغاز مساهماً رئيسياً في إيرادات الحكومة، إذ ساهم في العام 2010 بنسبة 35 في المئة من عائدات التصدير وعشرين في المئة من إيرادات الدولة، وفق تقرير لنشرة "سيريا ريبورت" الاقتصادية الإلكترونية.
ومع اندلاع النزاع عام 2011، تعرض القطاع لأضرار كبيرة نتيجة المعارك التي طالت حقوله ومنشآته. وخسرت القوات الحكومية بعد بدء النزاع أبرز حقول النفط والغاز.
وتزامن ذلك مع فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية واسعة على دمشق.
ومع تراجع الإنتاج جراء الأضرار، بلغت خسائر سوريا في قطاع النفط والغاز خلال سنوات النزاع، 74,2 مليار دولار أميركي، وفق ما كشف مؤخراً وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم لوسائل إعلام رسمية.
قبل النزاع، بلغ انتاج النفط الخام نحو 385 ألف برميل يومياً مقابل 21 مليون متر مكعب من الغاز، ليصل عام 2016 إلى أدنى مستوياته، مع ألفي برميل نفط يومياً ونحو 6,5 مليون متر مكعب من الغاز، وفق الوزير.
وفي العام 2017، وإثر استعادة قوات النظام السيطرة على حقول حمص بعدما كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ارتفع الإنتاج بشكل محدود، وفق غانم، في هذه المنطقة إلى ما يقارب "17 مليون متر مكعب من الغاز، و24 ألف برميل من النفط الخام".
إلا أن هذا الإنتاج لا يسدّ حاجة سوريا، بحسب غانم الذي يقدر حاجة بلاده يومياً إلى نحو 136 ألف برميل نفط. وبالتالي، فإن ما ينتج حالياً يشكل عشرين في المئة من حاجة سوريا من النفط وما بين 60 و70 في المئة من حاجتها للغاز.
تأثير العقوبات
قبل النزاع، استثمرت شركات دولية عدة في نفط وغاز سوريا، إلا أنّ الغربية منها أُجبرت على الانسحاب لاحقاً نتيجة عقوبات اقتصادية فرضتها دولها على الحكومة.
ونتيجة الخسائر المتراكمة، باتت دمشق مجبرة على استيراد حاجتها من الدول الصديقة من خلال الالتفاف على العقوبات. واعتمدت بشكل رئيسي على خط ائتمان من إيران لتأمين حاجاتها من النفط.
إلا أن العقوبات الأميركية على طهران عقّدت الموضوع أكثر، فتوقف الخط الائتماني عن العمل. ولم تصل أي ناقلة نفط من تشرين الأول/ أكتوبر 2018 حتى مطلع شهر أيار/مايو، وفق صحيفة الوطن المقربة من دمشق.
وأدخلت تلك العقوبات سوريا في أزمة محروقات اشتدت خلال فصل الشتاء وأجبرت الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية واسعة.
وتفاقمت العقوبات تدريجياً لتشمل الموردين وأسماء السفن والمرافق، وطالت "كل السفن التي كانت ترتاد سوريا لتأمين المشتقات النفطية"، وفق غانم.
واعترضت سلطات جبل طارق الخميس ناقلة نفط إيرانية للاشتباه بنقلها النفط إلى سوريا، بعد أسبوع من وصول ناقلة أخرى الى ميناء بانياس. كما اتهمت دمشق السلطات المصرية بإغلاق قناة السويس أمام السفن المتوجهة إلى سوريا.
وتعرضت مصفاة بانياس الشهر الماضي لعملية "تخريب" طالت عدداً من أنابيبها البحرية، وفق ما أعلنت دمشق.
وتوقفت المصفاة خلال سنوات النزاع، عن العمل لأكثر من 112 مرة، وفق غانم، فيما يُفترض "بحسب الضرورات العالمية أن تتوقف المصفاة مرة في العام الواحد للصيانة".
كما عمد النظام خلال سنوات النزاع إلى شراء النفط من خصومه في مناطق سيطرتهم لتأمين جزء من حاجياته.
خيارات محدودة أمام دمشق
باعتبار أن أكبر وأبرز حقول النفط موجودة في شرقي البلاد، تجد الحكومة السورية نفسها أمام خيارين، استعادتها عسكرياً أو التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديموقراطية حول مستقبل تلك المنطقة بما يتضمن تلك الحقول.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية قالت في وقت سابق إن أي اتفاق مع النظام يجب أن يتضمن تقاسم عادل للثروات النفطية.
وعمد الأكراد خلال السنوات الماضية إلى استخراج النفط من حقول الرميلان وتكريره للاستهلاك المحلي.
ولم تكن توجد مصاف في محافظة الحسكة قبل الحرب، إذ كان النفط المستخرج يُنقل منها إلى مصفاتي حمص وبانياس الوحيدتين في البلاد. وعمد الأكراد إلى إنشاء مصاف بدائية صغيرة، لكنّ المادة المستخرجة ليست بجودة تلك المكررة لدى مناطق الحكومة.
وفي حال سيطر الجيش السوري على المنطقة الشرقية وفق غانم، ستصل الحكومة إلى "حدود الكفاية المطلقة في كل المشتقات النفطية".
ويُرجّح محللون أن يلعب قطاع النفط والغاز دوراً أساسياً في تمويل إعادة إعمار سوريا في حال تم التوصل إلى حل سياسي، لكن بشرط أن يضمن الأكراد، الذين طالما عانوا التهميش، احترام مصالحهم في هذا الشأن.