الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء السابق داوود أوغلو
الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء السابق داوود أوغلو

جاء في مقالة لوزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو، نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، عام 2013 أن تركيا بصدد انتهاج سياسة خارجية جديدة تقوم على مبدأ "'صفر مشاكل".

داوود أوغلو وصف وقتها كيف أصبحت بلاده تتوق لفتح صفحة جديدة مع جيرانها أولا، ثم المجتمع الدولي ثانيا، واصفا مستقبل علاقات تركيا بالدول الأخرى بـ "المرحلة الجديدة".

كان ذلك ضمن سياق عملية التغيير الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يضيف أوغلو.

داوود أوغلو، وخلال إعلانه نية الانفتاح التركية، كشف أن سياسة بلاده الخارجية ستقوم على ستة مبادئ هي "التوازن في معادلة الأمن والحريات، صفر مشاكل مع دول الجوار، سياسة خارجية متعددة الأبعاد، سياسة إقليمية استباقية ونشطة، أسلوب دبلوماسي جديد ودبلوماسية إيقاعية''.

​​أوغلو حاول جهده إعطاء صورة جديدة عن بلاده، وأعطى أمثلة "واقعية" عن إجراءات اتخذتها الحكومة التركية تصديقا لما جاء في مقاله.

وقال أوغلو "أصبح مبدأ صفر مشاكل مع دول الجوار من أكثر المبادئ التي يشار إليها في السياسة الخارجية التركية.. ولم تعد المشاكل المزمنة تهيمن على أجندة السياسة الخارجية التركية مع الدول المجاورة والتي استنفدت طاقاتها في علاقاتها الدولية والإقليمية''.

بعد فوز حزب العدالة والتنمية الذي كان يرأسه، أصبح أوغلو رئيسا للوزراء، وأكد نيته المضي في سياسته التي تقوم على مبدأ "صفر مشاكل".

لكن تدهور علاقاته مع رجب طيب أردوغان الذي كان على رأس الحزب قبله، جعله ينسحب من رئاسة الحكومة ويستقيل من منصبه.

ظهر ذلك جليا خلال مؤتمر استثنائي دعا إليه أردوغان والمقربين منه، إذ قال أوغلو "لم أكن أرغب في المغادرة بعد ستة أشهر فقط، لكنها الضرورة".

فماذا عن تركيا بعد رحيل أوغلو؟

بعد تراجع تأثير أوغلو، إثر انسحابه من رئاسة الحكومة وتراجع دوره الريادي في حزب العدالة والتنمية، وصعود أردوغان رئيسا لتركيا سنة 2014، تهاوت سياسة رئيس الوزراء التركي السابق داوود أوغلو، خصوصا بعد إعلان تركيا إبرامها صفقة صواريخ روسية، وما نجم عنه من ردود فعل غربية وأطلسية غاضبة.

​​تغيرت سياسة تركيا إلى النقيض وأصبح اسمها يتكرر في بؤر التوتر.

أنقرة أصبحت بفعل السياسة النقيضة لما جاء في خطة أوغلو، تدعم فصائل متشددة في سوريا وليبيا وغيرهما، ما أغضب دول الخليج.

صيتٌ سيء هو الذي تركته أنقرة في أغلب بلدان العالم، من الغرب وحتى الخليج، الذي يلومها على تعبئة مضادة للشعوب.

بعد انتخابه رئيسا خلفا لعبد الله غل، زادت حدّة خطابات رجب طيب أردوغان، وأصبح ينتقد كل من لم يتفق مع رؤيته.

حتى الدول التي لا تربطه معها علاقات عدائية حالية ولا تتصادم معه في المصالح، حاول أردوغان استفزازها بتذكيرها بأي مشكلة تكون قد عاشتها أو تسببت فيها قبل سنوات عديدة.

أردوغان ذكّر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتاريخ فرنسا الاستعمارية في إفريقيا وخص بالذكر حربها على الجزائريين بين 1954 و1962.

ثم استدار ناحية صربيا، وذكّر قيادتها الحالية بما جرى سنوات التسعينيات في البوسنة والهرسك.

​​أردوغان أنهى عهدته الرئاسية الأولى (2014-2018) على وقع مشاكل عديدة إثر تدخله الصارخ في سوريا على وجه الخصوص، وبدأ عهدته الجديدة (2018- 2022) بمحاولة وضع يده على ليبيا.

يحاول أردوغان اليوم إيجاد حليف له في ليبيا، في شخص فائز السراج المستفيد من الدعم الدولي، بعدما اتضح أن خليفة حفتر لا يمكن أن يخدم مصالحه هناك. 

إغضاب الغرب

أصر الرئيس التركي على إتمام صفقة صواريخ أس-400 مع روسيا رغم تحذيرات الولايات المتحدة.

وكانت واشنطن قد هددت أنقرة بعقوبات في حال أتمت صفقة شرائع منظومة الصواريخ التركية إس-400.

وساهم القلق بين المستثمرين بشأن تسليم منظومة إس-400، في ضعف أداء الأصول التركية هذا العام.

وفي يونيو قال مراقبون مطلعون إن إدارة ترامب كانت تدرس ثلاث حزم عقوبات، إحداها ستشل الاقتصاد التركي المضطرب بالفعل.

 والجمعة أعلن وزير الدفاع الأميركي بالوكالة مارك إسبر، أن الولايات المتحدة لم تغير موقفها إزاء دور تركيا في برنامج طائرات إف-35 إذا تسلمت أنقرة منظومة دفاع صاروخية روسية.

وأشار إسبر إلى أنه أبلغ نظيره التركي خلوصي أكار في 26 يونيو في بروكسيل، بأن تركيا لا يمكنها امتلاك كلا من منظومة اس-400 الروسية ومقاتلات اف-35 الأميركية المتطورة في آن واحد.

وقال مسؤول في حلف الناتو لوكالة الصحافة الفرنسية "نشعر بالقلق إزاء التداعيات المحتملة لقرار تركيا حيازة منظومة إس-400"، عقب تحذيرات متكررة من أن المنظومة الروسية تتعارض مع أنظمة الناتو الذي يضم تركيا.

وهكذا يكون الرجل الأول في تركيا قد أجهز على سياسة "صفر مشاكل" التي أرادها أوغلو.