الولايات المتحدة صنفت الصين دولة تتلاعب بالعملة في الأول من أغسطس 2019
الولايات المتحدة صنفت الصين دولة تتلاعب بالعملة في الأول من أغسطس 2019

بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صنفت وزارة الخزانة الأميركية الصين دولة متلاعبة بالعملة، في خطوة جديدة من التصعيد في الحرب التجارية بين أقوى اقتصادين في العالم، هزت الأسواق العالمية.

قرار واشنطن الاثنين، جاء ردا على خفض بكين عملتها، اليوان، مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته خلال عقد تقريبا.

الخطوة الصينية، بدروها كانت ردا على قرار ترامب في الأول من أغسطس فرض رسوم نسبتها 10 في المئة على بضائع صينية تقدر قيمتها بـ300 مليار دولار، لتضاف إلى رسوم فرضت في وقت سابق بنسبة 25 في المئة على 250 مليار دولار من البضائع.

اليوان الصيني وسعر الصرف

تتعامل الصين بعملتها اليوان، التي سجل سعر صرفها أمام الدولار أدنى مستوى منذ العام 2008.

وهبط سعر صرف اليوان الصيني في الأسواق الخارجية إلى 7.1 مقابل الدولار بعد أيام من إعلان خطة فرض رسوم جمركية إضافية على سلع صينية، فيما تم تداوله في السوق الصينية الداخلية فوق 7 مقابل الدولار الاثنين.

سعر صرف اليوان

​​​​وتجاوز اليوان عتبة الـ 7 مقابل الدولار في الأسواق الداخلية والخارجية، ما يعد الحد الأدنى لقيمة العملة.

وحدد بنك الشعب الصيني الثلاثاء سعر الصرف المرجعي دون الـ 6.9 لليوان مقابل الدولار.

ماذا يعني التلاعب بالعملة؟

تتلاعب الصين بعملتها من أجل التحكم في أسعار صادراتها، فهي تريد أن تجعل أسعار سلعها معقولة أو رخيصة عندما تباع في الولايات المتحدة، لتكون لها ميزة تنافسية في سوق السلع. وجميع البلدان ترغب في فعل ذلك إلا أن قليلا منها يملك قدرة على إدارة العملية بشكل جيد على غرار بكين.

فالنظام الاقتصادي الصيني، الذي تقوم الحكومة بموجبه باتخاذ جميع القرارات الاقتصادية، يسمح لها بالتحكم في بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" فضلا عن كثير من الشركات. ونتيجة لذلك، يوجه الحزب الشيوعي الصيني اقتصاد البلاد، بما في ذلك تحكمه في سعر الصرف لليوان.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الإدارة الأميركية تنظم أسعار الصرف ولا تتدخل فيها. 

الصين والولايات المتحدة

​​​وقال جوليان إيفانز بريتشارد، الخبير في شؤون الاقتصاد الصيني في مركز كابيتال إيكونوميس إن المركزي الصيني "يستخدم عمليا سعر الصرف سلاحا" عبر ربطه قيمة العملة بالحرب التجارية الدائرة مع الولايات المتحدة.

وأضاف في حديث لوكالة فرانس برس "إذا افترضنا أن هدفهم هو تخفيف وطأة الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، فهم سيسمحون على الأرجح بمزيد من التراجع في قيمة عملتهم بما بين 5 و10 في المئة في الفصول المقبلة".

كيف تتلاعب الصين بعملتها؟​

التحكم في أدوات النقد يعد من أخطر الأمور وأهمها في أي دولة، وسيطرة الصين على بنك الشعب "المركزي الصيني" يتيح لها ذلك، إذ تتمكن من تحديد السعر المرجعي، ويتاح التداول ضمن هامش مرتفع أو منخفض لا يتجاوز الـ 2 في المئة.

وطالما أن بنك الشعب الصيني هو ضابط الإيقاع للسعر المرجعي لليوان، فإن الانخفاض أو الارتفاع يعني أن التحكم أو "التلاعب" يتم من قبل "المركزي الصيني"، ولا علاقة لعوامل الطلب والعرض في هذا الأمر.

ومن المفترض أن قوة العملة الصينية تأتي من نسبة صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة. وتتصدر السلع الإلكترونية الاستهلاكية والألبسة والآلات، الصادرات الصينية إلى أميركا.

وتعمل كثير من الشركات الأميركية على إرسال المواد الخام إلى المصانع الصينية لتجميع منخفض التكلفة.

وتعتبر البضائع النهائية مستوردة عندما تشحنها المصانع إلى الولايات المتحدة. وهكذا يكون العجز التجاري الأميركي مع الصين مربحا للشركات الأميركية.

ماذا تجني الصين من خفض اليوان؟

الشركات الصينية، تحصل على الدولار مقابل صادراتها إلى الولايات المتحدة، وتودع  الدولار في البنوك المحلية ثم تدفع أجور عمالها باليوان فيما ترسل الدولار إلى البنك المركزي الذي يحتفظ به في احتياطاته من العملات الأجنبية.

ومن خلال تخزين الدولار، يقلص البنك المركزي من الدولارات المتاحة للتجارة، ويضع ضغطا تصاعديا على قيمة الدولار، ما يقلل من قيمة اليوان.

وبإبقاء اليوان ضمن معدلات متدنية فإنها تحافظ على جاذبية الاقتصاد الصيني للاستثمارات المختلفة حيث تكون تكاليف الإنتاج أقل من منافسيها سواء أكان من ناحية مدخلات أو مستلزمات الإنتاج أم من ناحية الرأسمال البشري.

هل إضعاف اليوان خبر سار للصين؟

وفق صحيفة واشنطن بوست وشبكة بلومبورغ، فإن عملة ضعيفة من شأنها أن تخفف من حدة الضربة التي تتلقاها بكين جراء الرسوم الأميركية، وذلك من خلال جعل السلع الصينية أكثر تنافسية مقارنة بالدولار. ولكن هذا يأتي بتكلفة.

فالعملة الأضعف تخلق حوافز للعائلات والشركات لنقل أموالهم إلى خارج البلاد وإلى عملات أقوى.

ومن شأن ذلك أن يجبر الحكومة على سحب احتياطياتها - الأكبر في العالم بأكثر من 3 تريليون دولار- لشراء اليوان بهدف دعم قيمته.

ومن شأن يوان ضعيف، كذلك، أن يؤجج التضخم مع ارتفاع سعر الواردات.

كيف يتم تصنيف دولة متلاعبة بالعملة؟

يضع القانون الأميركي ثلاثة معايير لتعريف التلاعب بالعملة بين الشركاء التجاريين الرئيسيين: امتلاك فائض كبير في ميزان المعاملات الجارية العالمي، ووجود فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، والتدخل المستمر من جانب واحد في أسواق الصرف الأجنبي.

عندما أقر الكونغرس الأميركي قانون مراجعة العملة في عام 1988، لم تكن هناك الكثير من المنتديات الدولية لحل الخلافات بين الدول ولم يتم تأسيس منظمة التجارة العالمية بعد. في العام ذاته، أعلنت الخزانة الأميركية كلا من تايوان وكوريا الجنوبية دوليتين تتلاعبان بالعملة وصنفت في 1994 الصين التصنيف ذاته. لكن تقريرا لمكتب المحاسبة التابع للكونغرس أفاد بأن البلدان الثلاثة، قامت بإصلاحات بعد محادثات مع الجانب الأميركي فرفعت عنها ذلك التصنيف.

هل تتلاعب الصين بعملتها؟

الجواب سيعتمد على من تسأل. اليوان لا يتم تداوله بحرية، لكن إدارته تجري وفق نظام غير شفاف نسبيا يقوم فيه بنك الشعب الصيني، البنك المركزي، بتحديد صرف العملة.

ويصر بنك الشعب على أن قيمة اليوان تحددها السوق، على الرغم من أنه يواصل إحكام السيطرة ودعم العملة عندما اقتربت من مستويات حساسة في العام المنصرم.

وفيما يشتكي منافسو الصين بمن فيهم الولايات المتحدة، من أن تعمد خفض قيمة اليوان يمنح المصدرين الصينيين ميزة غير عادلة، اتخذت بكين في العقد الماضي خطوات للسماح لقيمة عملتها بالتأرجح مقابل الدولار.

وأصبح اليوان في عام 2016، واحدا من خمس عملات احتياطية وفق تصنيف صندوق النقد الدولي، في إشارة إلى أن الصين بدأت تلعب اللعبة الاقتصادية وفق القواعد، بحسب تعبير مديرة الصندوق كريستين لاغارد.

الرسوم الجمركية الأميركية - الصينية

​​وزارة الخزانة الأميركية ترى أن الصين تواصل تحقيق فائض تجاري كبير ومستمر ومتزايد مع الولايات المتحدة، هو الأكبر بين جميع الشركاء التجاريين لأميركا، وتقول إن ذلك الفائض وصل إلى 419 مليار دولار حتى ديسمبر 2018.

وتقول الخزانة إن الحجم الضخم للعجز هو نتيجة استخدام الصين المستمر والواسع النطاق للحواجز غير الجمركية والآليات غير السوقية والإعانات الحكومية وغيرها من التدابير التي تشوه بشكل متزايد علاقات الصين التجارية والاستثمارية.

وترى الخزانة أن هذه الممارسات تميل إلى الحد من الطلب الصيني على السلع والخدمات المستوردة وتحد من وصولها إلى الأسواق، ما يسفر عن فائض تجاري أوسع.

سياسات الصين تمنع أيضا الاستثمار الأجنبي ما يساهم في ضعف عملتها، تضيف الخزانة. 

وقال كين تشونغ، خبير استراتيجيات العملات في مصرف ميزوهو لوكالة بلومبرغ "يبدو أن زيادة الرسوم الجمركية تشكل مؤشرا لعودة ردود الفعل الانتقامية وتعليق المحادثات التجارية، وبالتالي لا يرى المركزي الصيني أي حاجة للإبقاء على استقرار سعر صرف اليوان على المدى القريب"، ما ينبأ أن الحرب التجارية بين البلدين سيستخدم فيها سلاح العملات أيضا.