سلط الحكم الذي أصدره القضاء الأميركي، الخميس، ضد رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، الضوء على الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها لوقف أنشطة حزب الله اللبناني المزعزعة للاستقرار حول العالم، ومصادر تمويله المشبوهة.
وأصدرت محكمة فيدرالية أميركية قرارا بسجن تاج الدين، خمس سنوات وتغريمه 50 مليون دولار، بعد إقراره في ديسمبر الماضي بالذنب بتهمة الالتفاف على عقوبات تمنعه من التعامل مع شركات أميركية.
قاسم تاج الدين (63 عاما)، يدير شبكة من الشركات في لبنان وأفريقيا، صنفتها وزارة الخزانة الأميركية بأنها داعم مالي مهم لمنظمة حزب الله.
وألقي القبض على تاج الدين في مدينة الدار البيضاء المغربية في عام 2017 بناء على طلب من السلطات الأميركية.
قلق أميركي
قدرت وزارة الخارجية الأميركية بأن دخل حزب الله المادي يبلغ "نحو مليار دولار سنويا، محصل عبر الدعم المالي المباشر الذي تقدمه له إيران، والمبادلات والاستثمارات الدولية، وعبر شبكة من المانحين ونشاطات تبييض أموال".
وفي إطار الجهود المبذولة لخنق أنشطة حزب الله، عرضت الولايات المتحدة في أبريل الماضي، مكافآت مالية تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن الشبكات المالية للحزب.
وتأتي هذه الإجراءات وسط قلق أميركي متزايد من تنامي دور حزب الله في الحكومة اللبنانية، وفي المنطقة خاصة في سوريا واليمن.
يخضعون للمحاكمة
في العام الماضي، اعتقلت السلطات الأميركية، كلا من علي كوراني (23 عاما) في نيويورك وسامر الدبيك (37 عاما) في ميشغان، بتهم الانتماء لحزب الله اللبناني والتآمر للقيام بأنشطة إرهابية.
وقال مسؤولون أميركيون إن الرجلين يواجهان تهما خطيرة من بينها تلقي تدريب عسكري على الأسلحة، مثل قاذفات القنابل الصاروخية والمدافع الرشاشة، لاستخدامها في دعم المهمة الإرهابية للحزب.
وبتوجيه من مناصريه في حزب الله، زُعم أن الدبيك قام بمهام خارجية في بنما لتحديد موقع السفارتين الأميركية والإسرائيلية وتقييم نقاط ضعف قناة بنما والسفن التي تمر عبرها.
أما كوراني فقد قام بمراقبة الأهداف المحتملة في أميركا، بما في ذلك مرافق عسكرية ومدنية في نيويورك، حسب المسوؤلين.
وفي مايو الماضي، أدانت محكمة فدرالية في مانهاتن كوراني، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية واللبنانية، بالانتماء إلى حزب الله والمساهمة في خطط لشن هجمات لصالحه. ومن المقرر أن يصدر حكم بحقه في 27 سبتمبر المقبل.
ويواجه كوراني والدبيك عقوبة السجن مدى الحياة، في حالة إدانتهما.
وفي فبراير 2016، أعلنت الهيئة الأميركية لإنفاذ قوانين مكافحة المخدرات، توقيف أعضاء في حزب الله اللبناني بتهمة استخدام ملايين الدولارات من بيع الكوكايين في الولايات المتحدة وأوروبا، لشراء الأسلحة في سوريا.
مطلوبون
القائمة الأميركية لمطلوبي حزب الله تضم عددا من القيادات بينهم ثلاثة رصدت الولايات المتحدة مكافأة مالية قدرها خمسة ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات عنهم، وهم:
-صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد مؤسسي كتائب القسام، الجناح العسكري التابع للحركة. وهو مسؤول عن توجيه عمليات حركة حماس في الضفة الغربية وتمويلها وقد ارتبط بالعديد من الهجمات الإرهابية وعمليات الاختطاف وفقا للخارجية الأميركية.
-هيثم علي طبطبائي، الذي عرفته وزارة الخارجية الأميركية على أنه قائد عسكري بارز في حزب الله في اليمن وسوريا.
-خليل يوسف حرب، المستشار المقرب من زعيم حزب الله حسن نصر الله، وشغل منصب المنسق العسكري الرئيسي لمنظمات "إرهابية إيرانية وفلسطينية"، وأشرف على عدة عمليات عسكرية في الأراضي الفلسطينية والشرق الأوسط.
خاضعون لعقوبات
وإلى جانب الآليات المالية المستهدفة لحزب الله، ركزت وزارة الخزانة الأميركية على قيادات وداعمين للحزب بينهم ثلاثة أفراد تعتبرهم الأذرع الرئيسية لتمويل الحزب، وتضعهم جميعا على اللائحة السوداء الأميركية "للإرهابيين الدوليين"، وفق بيان للخارجية الأميركية، وهم:
-محمد بزي، أحد الداعمين الماليين الرئيسيين لحزب الله. وهو متهم بتقديم ملايين الدولارات من أعمال ونشاطات تجارية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
-أدهم طباجة، عضو في حزب الله ويدير أعمالا بالإنابة عنه في بعض دول الشرق الأوسط وغرب أفريقيا. وهو مدرج في قائمة العقوبات الأميركية منذ يونيو 2015، لكونه يعمل لصالح حزب الله، وعلى علاقة بكبار مسؤوليه.
-علي شرارة، ممول وعضو في حزب الله، وله شركة استثمارية يستخدمها كواجهة لتمويل حزب الله.
- سلمان رؤوف سلمان، قيادي في الحزب مولود في مدينة سان أندرس في كولومبيا عام 1965. يحمل الجنسيتين اللبنانية والكولومبية، ويعتقد أنه موجود حاليا في لبنان. وفي يوليو الماضي وضعت واشنطن سلمان، على قوائم الإرهاب لصلته أيضا بحادثة تفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس عام 1994.
وحينها قال مساعد وزير الخزانة الاميركي سيغال ماندلكر "نستهدف سلمان رؤوف سلمان الذي نسق هجوما مدمرا في بوينس آيرس، ضد أكبر مركز يهودي في أميركا الجنوبية قبل 25 عاما".
وفي تحرك وصف بـ"القنبلة"، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على عضوين في مجلس النواب اللبناني يمثلان حزب الله هما أمين شري ومحمد رعد، إضافة إلى المسؤول الأمني في حزب الله وفيق صفا.
وقالت الوزارة إنها لا تفرق بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب.
في نوفمبر 2018، صنفت الخارجية الأميركية "كتائب المجاهدين" منظمة إرهابية، وقالت إن التنظيم يرتبط بحزب الله اللبناني وينشط في الأراضي الفلسطينية منذ 2005، وقام أفراده بعدة عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
تصنيفات ومكافآت
وضعت الولايات المتحدة وزير الصناعة الفنزويلي المتحدر من أصول عربية طارق العيسمي، ضمن قائمة أكثر 10 هاربين مطلوبين لواشنطن، لدوره في تجارة المخدرات. ووفقا لملف سري جمعه عملاء فنزويليون، فقد ساعد العيسمي وعائلته في تسلل مقاتلي حزب الله إلى فنزويلا.
وصنفت وزارة الخارجية الأميركية، جواد نصر الله، نجل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، "إرهابيا عالميا".
ووصفت الوزارة جواد نصر الله بأنه "القائد الصاعد" للحزب، وقالت إنه قام خلال السنوات الأخيرة بتجنيد أشخاص "لشن هجمات إرهابية ضد إسرائيل في الضفة الغربية".
وفي يوليو 2017، عرضت الولايات المتحدة سبعة ملايين دولار للمساعدة في اعتقال طلال حميه القائد العسكري الأبرز لحزب الله ومسؤول عن عملياته في الخارج، وعرضت مكافأة مماثلة لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القيادي العسكري الآخر في الحزب فؤاد سكر.
يشار إلى أن حميه، حل محل عماد مغنيه الذي اغتيل في عام 2008، وهو متهم بتدبير الهجوم الذي استهدف مركز الجالية اليهودي في بوينس آيرس عام 1994.
مجلس الشورى
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله نفسه لم يسلم من هذه العقوبات، فقد وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة الإرهاب، بالإضافة إلى نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم، والمستشار السياسي للأمين العام حسين خليل، ورئيس المجلس السياسي للحزب إبراهيم أمين السيد، وعضو مجلس الشورى محمد يزبك. والأسماء السابق ذكرها، هي لأعضاء في مجلس الشورى بحزب الله، وهو الجهاز المسؤول عن صنع القرار داخل الحركة.
وفي إطار التضييق على حزب الله وحليفته الرئيسية إيران، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة لبنانيين وشركاتهم لاتهامهم بأنهم "عناصر رئيسية في شبكة دعم حزب الله" اللبناني. ووضعت الوزارة على لائحتها السوداء، كلا من رجل الأعمال أدهم طباجة وشركة الإنماء التي يملكها وتعمل في لبنان والعراق، ورجل الأعمال اللبناني قاسم حجيج، وحسين علي فاعور مالك مركز لصيانة السيارات في بيروت. وتتهم الولايات المتحدة هؤلاء بالانتماء إلى حزب الله أو بتقديم دعم مالي ولوجستي له من خلال شركاتهم.
تصميم أميركي
ويبدو أن الولايات المتحدة ستواصل فرض العقوبات على الحزب حيث ذكر بيان سابق لوزارة الخارجية الأميركية رفضها التمييز "الزائف" بين الجناح السياسي لحزب الله وبين نشاطاته الإرهابية، التي تعد أحد الأسباب الرئيسية في زيادة معاناة الشعب السوري، وتغذية العنف في العراق واليمن بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.
وأكد مساعد وزير الخزانة سيغال ماندلكر ذلك بقوله: "ستواصل هذه الإدارة استهداف إرهابيي حزب الله الذين ينظمون عمليات قاتلة مروعة ويقتلون المدنيين الأبرياء من دون تمييز باسم هذه المجموعة العنيفة ورؤسائها الإيرانيين".