في أواخر عام 1619، وصلت أول سفينة تقل عبيدا إلى مستوطنة بوينت كمفورت البريطانية التي تعرف اليوم بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة.
وصول هؤلاء إلى "العالم الجديد"، مثّل بداية قرنين ونصف من العبودية في أميركا الشمالية، وفصلا جديدا في تاريخ تجارة الرق عبر الأطلسي والتي بدأت في مطلع القرن 16 واستمرت حتى منتصف القرن 19.
قصة أول أفارقة يطأون بر العالم الجديد، بدأت بتعرض حوالي 350 شخصا للاختطاف من قراهم في ما يسمى اليوم أنغولا، ثم زجهم في سفينة سان خوان بوتيستا البرتغالية الخاصة بنقل العبيد، ثم سرقهم قراصنة إنكليز هاجموا السفينة قبالة سواحل المكسيك، ليصل حوالي 20 منهم في نهاية المطاف إلى بوينت كمفورت.
وصول هذه المجموعة وثقها سكرتير المستوطنة، جون رولف، المعروف بأنه أرمل بوكاهونتاس، واحدة من أشهر السكان الأصليين.
خلال رحلة رعب قطعها الأفارقة الذين تم استئصالهم من أرضهم، وامتدت لـ10 آلاف ميل بحري، عانى الكثيرون من الجوع والموت، حتى قبل هجوم القراصنة.
ومات حوالي نصف هؤلاء، ضمن ملايين لقوا حتفهم ما بين 1500 و1850، خلال الرحلات الطويلة لعبور المحيط الأطلسي.
عندما رست سان خوان بوتيستا قرب فيراكروز بالمكسيك، في أغسطس 1619، كان عليها 147 أفريقيا، وأخذ القراصنة البريطانيون 50 منهم ووزعوهم على سفينتي "وايت لايون" (الأسد الأبيض) و"تريجرر" (الخزانة).
عندما وصلت "وايت لايون" إلى بوينت كمفورت، تمثلت مهمة قائد القراصنة الفورية في بيعهم مقابل الحصول على طعام.
وعلى الرغم من أن بوينت كامفورت كانت مجرد واحدة من نقاط وصول السود إلى العالم الجديد، إلا أنها تمتاز باهتمام كبير.
ويشير مؤرخون إلى أن المستكشفين الإسبان والبرتغاليين جلبوا أفارقة معهم إلي أميركا الشمالية والجنوبية قبل أكثر من قرن على وصولهم إلى فرجينيا. ومن المحتمل أن أفارقة رافقوا فرانسيس دريك إلى جزيرة روانوك في عام 1586، حيث حاول وأخفق في إقامة مستوطنة بريطانية دائمة.
وفيما يقول البعض إن عام 1619 شهد بداية العبودية في المستوطنات البريطانية بأميركا، هناك من لديه رأي آخر، لأن الأفارقة جلبوا بهدف استعبادهم إلى مستوطنة برمودا البريطانية قبل 1619، في حين أن هناك خلافا حول وضع العبيد الأفارقة الـ20 الذين جلبتهم سفينة "وايت لايون".
أستاذ التاريخ بجامعة هوارد في واشنطن والرئيس السابق لجمعية دراسة الحياة الأميركية الإفريقية، داريل سكوت، قال لصحيفة "يو أس إي توداي"، إن "قصة عام 1619 مهمة فقط للأشخاص الذين يؤسسون الدولة التي أصبحت لاحقا الولايات المتحدة".
ومن المعروف أن اثنين من الأفارقة الذين وصلوا على متن وايت لايون، وهما أنتونيو وإيزابيلا، أصبحا خادمين للكابتن ويليام تاكر، قائد بويت كمفورت. وكان ابنهما وليام، أول طفل أفريقي يولد في أميركا، وبموجب القانون المعمول به آنذاك ولد وليام حرا. لكن العبودية أصبحت في العقود اللاحقة، مقننة.
وكان الخدم الأفريقيو الأصل، يجبرون في كثير من الأحيان على مواصلة العمل بعد انتهاء عقودهم. وفي عام 1640 قضت محكمة بفرجينيا على الخادم المتمرد جون بانش بالعبودية مدى الحياة.
ومع وصول عدد أقل من الخدم البيض، بالسخرة من إنكلترا، تم تطوير نظام طبقي عرقي وأجبر الأفارقة بشكل متزايد على الخدمة مدى الحياة. وفي عام 1662، قضت محكمة بفرجينيا بأن الأطفال المولودين لأمهات مستعبدات، ملك لمالك الأم.
وعندما أصبح التبغ والقطن وقصب السكر من أعمدة اقتصاد المستوطنات، أصبحت العبودية محركها.
وعلى الرغم من حظر تجارة الرق في 1807، استمرت العبودية التقليدية والتي سمحت لمن يملكون عبيدا بالاتجار بهم كما شاءوا، وساهم ذلك في ازدهار اقتصاد المزارع في الجنوب.
وكشف إحصاء في عام 1860 أن هناك ثلاثة ملايين و953 ألفا و760شخصا مستعبدا في الولايات المتحدة، أي ما يقرب 13 في المائة من سكان البلاد.
التجارة العابرة للأطلسي اقتلعت حوالي 12 مليون أفريقي من بيئاتهم، لينتهي الأمر بخمسة ملايين منهم تقريبا في البرازيل، وأكثر من ثلاثة ملايين في الكاريبي. وفي حين كان عدد الأفارقة الذين أجبروا على الوصول إلى أميركا الشمالية قليلا بالمقارنة، إذ لم يتجاوز 400 ألفا تقريبا، كان عملهم وعمل الأجيال التي تبعتهم، ضروريا لاقتصادات المستوطنات البريطانية ولاحقا الولايات المتحدة.
الصراع بين مؤيدي وضع حد للعبودية، وأولئك الذين أرادوا الحفاظ عليها ونشرها، كان سببا رئيسيا لاندلاع الحرب الأهلية.
وقد حرر الرئيس أبراهام لنكولن، الرئيس الـ16 للولايات المتحدة، رسميا الأشخاص المستعبدين في الجنوب من خلال "إعلان التحرير" في عام 1863، لكن لم يتم إلغاء العبودية فعليا إلا بعد إقرار التعديل 13 للدستور في عام 1865.
وفي النهاية، كان لـ246 عاما من العبودية الوحشية، والتي يشار إليها بـ"الخطيئة الأصلية" للبلاد، تأثير لا يحصى على المجتمع الأميركي. واستدعى الأمر، قرنا آخر بعد الحرب الأهلية، لإعلان أن الفصل العنصري غير دستوري.