بلال الفارس

بلال الفارس - دبي

أسبوعان على عودتي من الرياض حيث كنت في مهمة صحفية لمواكبة اجتماع وزراء المالية لدول مجموعة العشرين نهاية فبراير الماضي.. أعاني من أعراض الإنفلونزا.. ومن أعراضها ما يثير الشكة والريبة في هذه الأيام.. تجعل جميع من حولك يتعامل معك كمصاب بفيروس كورونا، لا أخفيكم أن تلك الخشية انتقلت إلي خصوصا أن الفيروس يرتبط انتقاله بالسفر.. كيف ذلك وقد كنت أيضا في مركز إعلامي يعج بعشرات القادمين من دول سجلت إصابات كبيرة بالفيروس.

خلال أسبوعين، كنت قد انتهيت من تنسيق موعد لتصوير تقرير في مدينة الإمارات الإنسانية، في العاصمة أبوظبي، تستقبل نحو 215 شخصا، بينهم نساء وأطفال كانوا مخالطين لسكان ووهان بؤرة تفشي فيروس كورونا في الصين.. 

توجهت أنا وزميلي المصور ثائر أبو حمدة إلى أبوظبي لتصوير التقرير، وفي الطريق وصلتني نتيجة تحليل طبي كنت قد أجريته قبل أيام مفاده أن سبب الإنفلونزا ميكروبي.. هي دفعة الاطمئنان تأتي لينصب التركيز على المهمة الصحفية.

وصلنا إلى مقر هيئة إدارة الأزمات والكوارث والطوارئ في أبوظبي، مبنى يقع في مكان استراتيجي يجاور مقر رئاسة الأركان، وهناك خلية عمل توصل الليل بالنهار لمتابعة مستجدات فيروس كورونا، تجمع المعلومات محليا ومن الخارج لتتخذ القرارات المناسبة التي تلتزم بها الحكومة الإماراتية الاتحادية وباقي الحكومات المحلية، التقينا هناك أحد المسؤولين عن مدينة الإمارات الإنسانية، تحدث لنا بإسهاب عن الأهداف والجهود الإنسانية والمنجزات ثم دعانا لنرى ذلك على أرض الواقع.

تحركنا من مبنى الهيئة على بعد ثلاثين دقيقة تقريبا باتجاه منطقة مصفح حيث تقع المدينة الإنسانية.. وصلنا وفتحت لنا البوابة الموصدة.

موظفون من هيئة الطوارئ والأزمات وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي ودائرة الصحة في أبوظبي وشرطة الإمارة قدموا لنا شرحا عن كيفية إدارة وتنظيم هذه المدينة والخدمات المقدمة للجاليات القادمة من ووهان، جنسيات مختلفة عربية وأجنبية هم في أبوظبي لمتابعة حالتهم الصحية والتأكد من خلوهم من فيروس كورونا.

تقسم المدينة تنظيميا إلى ثلاثة ألوان: المنطقة الخضراء وهي الآمنة والتي توجد فيها مكاتب المنظمين، ومنطقة صفراء وهي التي تنطلق منها الخدمات العامة لسكان المدينة، ومنطقة حمراء وهي منطقة الحجر الصحي التي توجد فيها شقق السكان والعيادة الخاصة بهم ومجموعة من الساحات التي تضم مرافقة ترفيهية.

قبل أن نتحرك إلى المنطقة الصفراء، حيث سنقابل عن قرب بعض سكان المدينة الإنسانية الذين يشتبه بإصابتهم بالفيروس.. أظهر لنا المسؤول الطبي للمدينة ورقة تحت عنوان "إقرار"، وقال لي ولزميلي المصور وقعوا، قلنا على ماذا؟ قال اقرأوا بتمعن، مفاد الورقة يقول إنه بالإمكان أن تصاب بالفيروس عند دخولك المنطقة الصفراء، وقعت وزميلي ثائر ولسان حالنا يقول ما وصلنا إلى هنا حتى نعود دون التقرير.
 
بسيارة المسؤول الطبي للمدينة الإنسانية توجهنا للمنطقة الصفراء، التنظيم هنا محكم، ثلاثة حواجز توقفك للسؤال قبل أن تصل لتخوم كورونا.

وضعنا الكمامات ونزلنا من السيارة، تقع العين أول ما تقع على منطقة ألعاب يرتادها الأطفال من مختلف الجنسيات.. هم يعوضون ساعات التزموا فيها منازلهم في مدينة ووهان قبل قدومهم إلى أبوظبي.

شرح لنا المسؤول الطبي عن الإجراءات الطبية في المدينة وعن الفحوصات اليومية السريرية وتلك المتعلقة بأعراض فيروس كورونا.. أعطانا الطبيب جرعة ثقة، وقال إن أيا من ساكني هذه المدينة لم ثبت اصابته بالفيروس.. هذا ما كشفت عنه 3 فحوصات.

التقيت بأحمد وهو طالب سوداني مبتعث في ووهان لدارسة الطب، تحدث عن أيام رعب عاشوها في كنف إجراءات السلطات الصينية التي عزلت ساكني ووهان في منازلهم، قال لي إنه وزملاؤه تنفسوا الصعداء بعد وصولهم إلى أبوظبي، وهم ينتظرون على أحر من الجمر عودتهم إلى بلادهم بعد إثبات خلوهم من الفيروس الصيني.

بين الفينة والأخرى تقاطع تعليمات المسؤول الطبي حديثنا.. ينصحني بالبقاء في المنطقة الصفراء والابتعاد مسافة 3 أمتار عن أحمد وعدم لمس جدران الأبنية هناك، جاءتني وقتها فكرة تسهل التواصل بيني وبين أحمد وتضمن سلامتي وسلامة زميلي المصور ثائر، فبينما تسجل الكاميرا حديث أحمد، قمت بأخذ صوته بالميكرفون عبر مكالمة هاتفية.. هذا الموضع يؤمن التباعد والمسافة الآمنة كما يجنب ميكرفون "الحرة" من دخوله في عمليات تعقيم تستمر ليومين في مختبرات دائرة الصحة.

بعد أن تمنينا لأحمد السلامة وشكرنا المسؤول الطبي في المدينة وعدنا للمنطقة الخضراء.. هناك بدأنا برش المعقمات التي كانت بحوزتنا.. إنها من صور العمل في زمن الكورونا.

إنها السادسة مساء.. يا إلهي مر الوقت سريعا.. وفي طريق العودة إلى دبي، شعرنا بالسعادة، وهو شعور يرتاب كل من يعمل في الميدان بعد إنجاز الجزء الأصعب من مهمته.. سعادة ربما أنستني ما أنا به من أعراض الإنفلونزا.. سلمكم الله وأحبابكم منها ومن الكورونا.

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".