محمد محي الدين

محمد محي الدين - القاهرة

عند الساعة 2 بعد ظهر 25 يناير 2011، كنت على موعد مع مدير قناة فضائية لمناقشة عرض لالتحاقي بالعمل مع المؤسسة.. المكان مقهى مطل على ميدان التحرير.. 

أسوة بمعظم المصريين، لم أكن أتوقع الاستجابة الكبيرة إلى دعوات التظاهر في هذا اليوم، إلا أن فاجأني الانتشار الأمني غير المسبوق في الميدان، بالطبع تم تأجيل الموعد إلى أجل غير مسمى.

يومها، كنت أعمل مراسلا لإحدى القنوات العراقية من القاهرة، أثارني فضولي الصحفي إلى متابعة ما يجري حتى عمت الفوضى الميدان، دخان كثيف ومسارعة العشرات إلى الفرار، خاصة الأشخاص الذين صودف وجودهم في الميدان ولم يكن يشاركون في التظاهر..

كانت أنفاق المترو هي الأكثر ازدحاما حينها، وكنت بين الناس أتساءل ما سبب هذه الحرائق؟ لماذا أشعر باختناق غريب؟ ما نوع المادة المشتعلة فالرائحة غير مألوفة وصعبة؟ علمت بعدها أن هذا دخان قنابل الغاز المسيل للدموع.
 
نعم أنا وكل أبناء جيلي حتى من العاملين في المجال الإعلامي لم ندرك أن التغيير ممكن وسريع ومباغت، فمنذ ميلادي لم أشهد على تحول بهذا الحجم ضد رئيس لم أعرف غيره، بل وكوني صحفي اقتربت كثيرا من محيطه واعتقدت أن من الصعب اختراقه..

قبلها بأيام، وعلى هامش القمة الاقتصادية في شرم الشيخ كنت من بين الصحفيين الذين وجهوا سؤالا لوزير الخارجية المصري حينها، أحمد أبو الغيط.. هل يمكن أن تشهد مصر أحداثا كالتي تحدث في تونس؟ وكانت الإجابة بالطبع لا مصر تختلف كثيرا..
 
نعم كنت أظن ذلك أيضا.. أن التغيير صعب ومختلف لكنه لم يعد كذلك، فمنذ هذه اللحظات تغير كل شيء، طبيعة عملي ونوعية الأحداث التي أقوم بتغطيتها، وتكشفت كثير من المشكلات التي كانت غائبة عن أي اهتمام إعلامي أو صحفي، فمعاناة وطبائع الناس باتت أكثر وضوحا وصعوبة أيضا..
 
من المؤتمرات الرسمية والدولية إلى الميدان.. أحداث أشبه بحالة حرب مختلفة عن تلك التي عرفناها واقتربنا منها عبر رسائل مراسلين كثر كنت أنظر لهم كأبطال حقيقيين لا يحتاجون إلى إكسسوارات أو ديكورات تشكل مشاهد الأكشن والدراما وأحيانا الكوميديا السوداء من حولهم.

لكن الميدان بالفعل مختلف عن كل ما عرفت، وبالطبع لأني أصبحت جزءا منه وليس متفرجا يتابع الأحداث وهو يحتسي فنجانا من القهوة..

أحيانا كنت أفتقد لخبرة التصرف في مثل هذه التطورات والأحداث التي لم أعهدها ولم أتدرب على تغطيتها، لا أعلم شيئا عن معايير الأمن والسلامة ولأي درجة تجوز المجازفة ومتى يتوجب على الانسحاب؟ خصوصا وأن الأحداث متسارعة وخطورتها متطورة منذ العام 2011 وحتى 2014.. سنوات بدأت بالاحتفاء بإعلاميين ينقلون صورا وانتهت بالاعتداء عليهم.. ولكنها اتسمت بقدر كبير من حرية التعبير ونقل الحقائق.

فترات مهمة وصعبة وخطيرة أيضا، كنت جزء منها خصوصا بعد انضمامي لقناة مصرية انطلقت بعد الثورة عام 2011، وحينها كنت أهتم بكل حدث وتطور اكتسبت خبرة مختلفة ونلت قدرا من التدريب ساعدني على التعامل باحترافية أعلى لا تخلو من حماسة ورغبة في المجازفة لإنتاج قصص مختلفة.
 
حينها، علمت أن كل تغيير ممكن، استقرار الأحداث والأوضاع نسبي ومتغير.. وليس هناك ما يدعم وجهة النظر هذه أكثر من وباء كورونا الذي استطاع في أيام وأسابيع تغيير وجه العالم.. عدو غير مرئي فرض تحديات جديدة على عملنا أيضا نحن المراسلين..

قلق ومسؤولية وواجب.. بين هذه المعاني الثلاث يشتد الجدل بين أفكاري ومشاعري، فأنا إنسان يصيبني القلق والخوف كغيري من البشر، ومسؤول أيضا عن عائلة وأبناء أخشى أن أكون سببا في أذيتهم لا حمايتهم، ولكن واجبي يحتم علي أن أكون في صفوف المواجهة مع العاملين في مجالات مختلفة كأطباء سبقوني إلى خط الهجوم الأول.
 
نعم التغيير مستمر ونحن المراسلون مستمرون في رصده، نتسابق في الإعلان عن مراحله وما يلبث أن ينتهي حتى نبدأ في دراسة أثاره وأسبابه، قبل أن يطرأ تغيير آخر من نوع آخر.. في مكان وزمان آخرين.

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".