مع خروجي كل صباح للتوجه للعمل الميداني، كانت قبلات أبنائي التوأم وأحضانهم، جرعة معنوية تضفي لمسة محبة وتزيدني قوة أمام تحدياتي كمراسل. لكن تلك القبلات اختفت مند أكثر من أسبوعين، بعد قرار لم يكن سهلا من قبلي، بإبعاد عائلتي إلى أقصى الجنوب الجزائري، ليس بفعل تفشي كورونا وازياد المخاطر. لكن فقط بفعل مهمتي كمراسل.
لقد أصبح الفيروس هاجسا أخشى أن يندس تحت نعل حذائي، أو ربما في معطفي.
حين تقترب خطواتي إلى بيتي، يزداد توجسي من أن أنقل قاتلا غير مرئي، إلى زوجتي و توأمي. خوف تعاظم مع تنامي عدد الإصابات و الوفيات، ولا سيما مع بداية ندرة مستلزمات التعقيم، فقد كان إبعادهم قرارا صعبا في هذه الظروف، وكان علي اتخاذه حماية لعائلتي.
ومع غلق المطاعم بفعل حظر التجوال والحجر الجزئي، وجدت نفسي مع تجربة جديدة، وكان علي تعلم فن الطبخ. نعم، كل مساء أتصل بزوحتي مكالمة مرئية، لتلقي فنونها ولأتعلم أسرار أكلات أعدها لأول مرة، وهو الأمر الإيجابي الذي سأتذكره من جائحة فيروس كورونا.
في المقابل، تغير سلوكي وسلوك زملائي في فريق التصوير.
اختفت التحية بيننا، وباعدتنا الكمامات والمعقمات، على الرغم من ندرتها، وقد أصبحت من بين أهم أدوات العمل اليومية.
تعقيم معدات التصوير والميكروفون، والتباعد الاجتماعي مع الضيوف، خطوات ضرورية خلال إعداد كل تقرير.
ومع تنامي حالات الإصابات والوفيات، في ظل تربع الجزائر على أعلى نسبة، مغاربيا وعربيا، إلى غاية إعداد هده المدونة، ارتفعت حالة التوجس والخوف لدى الجميع.
حتى الضيوف الذين كنا ننتقل إليهم أو يأتون إلينا لإجراء المقابلات، أصبحوا يعتذرون عن استقبالنا أو القدوم إلينا، بسبب توجس مفهموم. فأضحت الجهود مضاعفة، إلا أن تكنولوجيا الاتصال، من شاكلة سكايب وواتساب، باتت تخفف عنا هذا العناء.
كورونا يوقف نبض الحياة في شوارع الحراك الحزائري
بعد أسابيع من اجتياح كورونا الجزائر. خلت شوارع العاصمة من المارة، وكذلك أغلب المدن، وهي التي كانت تعج بالحياة والحركة والحراك بآلاف المتظاهرين كل ثلاثاء وجمعة.
ننزل معها لتغطية هدا الزخم، فيتحول المشهد برمشة عين إلى سكون لم تألفه كاميرا الحرة، التي دأبت على نقل حراك امتد لأكثر من عام في ساحة البريد المركزي، أيقونة الحراك، وشارع ديدوش مراد وموريس أودان، أسماء لأبرز ساحات ذاع صيتها خارج الجزائر.
تغيير مفاجئ أحدثه فيروس جاء من وراء البحار، فقلب موازين المتظاهرين، وأصبح الحفاظ على حياتهم أولوية قصوى اليوم، ومعه تغير نبض حياة الملايين، وأيضا يومياتي كمراسل، ورب عائلة، وإنسان.
لكن مع كل تفاصيل هذا الموقف الجلل، غير المسبوق في تاريخ البشرية .. يبقى الأمل في غد أفضل.