عبد الحي البقالي - مراسل الحرة في الرباط
عبد الحي البقالي - مراسل الحرة في الرباط


في صباح يوم ماطر من أيام كورونا، رن جرس الهاتف، فرفعته مجيبا. وجدت على الطرف الآخر، أحد الأساتذة وهو مختص في علم الاقتصاد، كنت قد طلبت منه استقبال طاقم الحرة للإدلاء بتصريح حول الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على المغرب. زف إلي خبر الموافقة على التصوير مساء ذلك اليوم.  وقبل إقفال الخط سمعته يعطس، وتكرر العطس ثلاث مرات، فقلت له : رحمك الله يا أستاذ، فردَّ قائلا: أصلح الله بالك، مستطردا ومتسائلا: أهي كورونا؟
 
متوجها إلى مقر العمل، أسوق سيارتي على الطريق، ازدحمت في خاطري أسئلة عديدة، تصاحبها رهبة في القلب.

 أفرك عيني، وأمرر يدي على رأسي، أتحسس ذقني.. أحاول التركيز للإجابة عن التساؤلات التي تعتمل بداخلي : هل ستمر المقابلة بخير؟ أم ستنتهي بالتقاط الفيروس؟ أكيد.. أكيد، أجيب نفسي . ولا يهدأ بالي، فأعود لأناقض جوابي من جديد: لا لا.. ليس كل من عطس هو مصاب حتما بالفيروس.  لا تخف، مخاطبا نفسي .
 
أدرت زر المذياع، علِّي أتسلى بأغنية تنسيني مخاوفي من فيروس كورونا، وأتخلص من الغصة التي سكنت حلقي. فإذا بي أسمع مذيعا يقول: خذوا حذركم، لا تخالطوا الناس، ابقوا في منازلكم، فالأيام القادمة ستكون حاسمة.

رباه.. ماذا أفعل؟ تساءلت، وجن جنوني، وتمنيت لو لم أرد على المكالمة من الأصل .
 
على مقربة من مقر العمل، أحسست أن الواقع شيء ، والتمني شيء آخر.

وبقليل من اليقظة وما تبقى لدي من شجاعة منخورة، سألت نفسي: أين إيمانك بالله وبالقدر خيره وشره؟ أولست أنت من يردد دائما قول الله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا؟ تنفست الصعداء، وأنا ألج باب المكتب.
 
ونحن (أنا والمصور) نتجه صوب منزل الأستاذ، هاتفته مرة أخرى كي اخبره أننا على مقربة من مقر سكناه.

بمجرد ما فتح هاتفه للرد على مكالمتي، سمعته يعطس من بعيد، وخاطبتني سيدة قائلة: الأستاذ يعتذر، ربما أصيب بالزكام، فهل يمكن أن تؤجل المقابلة؟

تمنيت له الشفاء، وعدنا من حيث أتينا، على أمل البحث عن متحدث آخر .  

بعد يومين هاتفته للاطمئنان عن صحته، فعلمت منه أنه في الحجر الصحي، وينتظر نتيجة التحاليل المخبرية.

بعد أسبوع عاودت الاتصال به، وكم كانت فرحتي عظيمة حين أكد لي سلبية النتيجة، وأن ما أصابه من عطس في ذلك اليوم، كان بسبب مواد تعقيم البيت، التي تحتوي على نسبة عالية من المواد الكيماوية، ذات التاثير القوي عند استنشاقها.

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".