بعد العمل.. المخاطر لا تتوقف

هاشم مناع- القاهرة

في احتجاجات كانت بالقرب من وزارة الداخلية في الأشهر الأولى بعد ثورة يناير 2011 وجدت نفسى على الهواء وتسقط قنبلة الغاز بجواري بالقرب من وزارة الداخلية الصدمة والاختناق لم يمنعا مدير الأخبار الذي كان موجودا في غرفة تحكم الإستوديو وقتها أن يطلب منى أن أكمل رسالتى الصحفية إذا كنت أستطيع والحماس دفعنى ألا أتوقف عن نقل الخبر ، وقتها أتذكر أن أمى التي شاهدت الموقف مباشرة على التلفاز  طلبت الأ أعمل في الصحافة ثانية فالأمر لم يكن متوقف على قنابل الغاز فقط. 
 
فجأة وجد  كثير من  الصحفيين المصريين ومنهم من  يخطون أولى خطواتهم في هذا المجال مضطرين لتغطية أحداث ثورة يناير والتعامل مع قنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي في بعض الأحيان في مخاطر عشوائية لم تعرف مصر مثلها منذ سنوات طويلة ، معظمهم لم يحصل على تدريب على التعامل في البيئات العدائية وكنت منهم.
 
البحث عن المتاعب أمر لا يفارق مهنة الصحافة والعمل التلفزيونى لا سيما من هم ميدانيون  في موقع الأحداث لذلك اعتدنا في ممارسة هذا العمل على بعض  المتاعب ولكن الصحافة لا تمثل لى مجرد عمل أو حتى رسالة سامية ولكن أيضا شغفا وهواية.
 
تارة أجد نفسى في المنتصف بين  طرفى الاشتباكات حين حمى الوطيس بالقرب من وزارة الدفاع المعروفة بأحداث العباسية ونخرج بمعجزة من وسط هؤلاء او محاصرا في مجلس النواب وغيرها من أحداث أقل أو أكثر خطورة لكن الشغف ورسالة نقل الكلمة وأهميتها تدفعانك دوما للأستمرار. 
 
ربما كنا نواجه مخاطر في معظمها مرئية وربما كان من الممكن  أن تغدر بنا من حيث لا ندري لكن كنا في كل الاحوال نستطيع تجنبها بقدر من الحكمة والحرص .
 
العمل في زمن كورونا يبدو مختلفا وسط هذا العدو الخفى مهما بلغت احتياطاتك وحذرك لاتدرى من أين قد يأتيك .
"وقوع البلاء ولا انتظاره" هكذا المثل الشهير بالعامية المصرية يقول فالخوف من البلاء وترقبه قد يكون أشد وطأة على النفس و الجسد من وقوعه .
 
في كل مرة أخرج لأداء عملى الحذر والشك رفيقاي شك في كل الناس ومن كل الناس بما فيهم زملاء العمل والأصدقاء. 
 
حين كنت أعود لمنزلى بعد تغطية إخبارية صعبة ، أنفض عن نفسي عبء العمل وأرتاح فقد عدت والمخاطر خارجه  .
 
لكننا هذه الأيام نعود بمخاوفنا بعد كل يوم تصوير شاق أو بسيط حتى ولو لم يتضمن خروجنا من مكاتبنا .
 
بات روتينا يوميا قاسيا حين أعود ألا أسلم على إبني الصغير الذي ينتظرنى خلف الباب أو أحتضنه  أو أمازح الأكبر كما اعتدنا .
 
لا يفهم الأطفال  المخاطر و يصدمون ويبكون فكيف وأكبرهم في الرابعة من عمره فرض عليهم حظرا وبقاء في المنزل بين جدرانه الأربعة منذ أكثر من شهر فلم نتنظر قرار الحكومة بحظر التجوال و فرضناه على انفسنا 
 
أكون محظوظا إن عدت من عملى وقد نفضت عنى شكوكي بعد إجراءات التعقيم المعتادة قبل دخول المنزل وبعده وحملت أطفالي بين يدى بحرص، فأيام أخرى ومهما حاولنا الالتزام بالتباعد بيننا وبين ضيوف التقارير مجرد الوقوف لنقل رسالة مباشرة أو تنفيذ وقفة للكاميرا في الشارع من المحتمل أن تتحول إلى تجمع وراء ظهرك أو بجوارك بدافع الفضول ممن حولك ، أو  في لقاء ترى بعينك الرذاذ مصدر العدوى يتطاير من فم محدثك على ملابسك ، يصبح أي عارض بعدها كاحتقان في الحلق أو أعراض البرد المعتادة دوامة من الوهم والشك بلا نهاية في أنك قد أصبت بالفيروس المخادع بسهولة انتشاره .
 
المتخصصون  كذلك ممن ننقل آراءهم في تقاريرنا كثير منهم يتخوف  ويرفض التسجيل فبات الحصول على معلومة أو رأى متخصص مهمة شاقة ، استعضنا عن كثير من هذه اللقاءات كلما أمكن من خلال تنفيذها عبر سكايب . 
 
أعود في معظم أيام الأسبوع من عملى أعتزل الجميع بلا سلام أو كلام ، وكم تبدو ثوان العزلة صعبة وطويلة وانتظار انتهائها مؤلم فبينك وبين أهلك زوجتك وأبنائك باب وبضع خطوات لكن لا  تجروء على تخطيهم  مهما استبد بك الاشتياق لضحكات الصغار ودفء الأسرة.
 
لا ينبغي أن يغادر الصحفيون  الصفوف الأولى في الميدان -مع حرصهم على سلامتهم بالتأكيد- وفيها لا تعلم إذا كان من قابلته مريضا أو مشتبها في إصابته لاسيما وأن بعض المصابين بهذا الفيرس بلا أعراض كما أكدت منظمة الصحة العالمية لذلك فالخطر هذه الأيام رفيق غير مرحب به.
 
أبي وأمي ربما يكونوا مشكلتى الكبرى أطال الله عمريهما ، محظور  لقاؤهما فهما من الفئات الأكثر عرضة لمضاعافات هذا الفيروس ،  كنت أزورهما في صعيد مصر بشكل منتظم لكن في لقائي بهما مخاطرة لا أستطيع تحمل عواقبها. 
 
هكذا تغيرت حياتنا ليس فقط في ميدان العمل ولكن في أدق تفاصيلها وعلاقتنا بأهلنا ومعيشتنا ولكن لا بديل من أداء رسالة ليست عملا فقط ولكن شغفا وهواية.
 

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".