كورونا وقواعد اللعبة الجديدة

يحيى قاسم- القدس

في الأسابيع الأولى التي بدا فيها تفشي فيروس كورونا في إسرائيل لم تكن الصورة واضحة لمعرفة مدى الكارثة الصحية التي ستشهدها البلاد والعالم. من المنطقي أن نفترض أن من يقرأ هذه السطور لم يشهد مثل هذه الجائحة، والعالم المتحضر ظن أن أوبئة بهذا الحجم هي فصل من حقبة الماضي. لكن التقدم الذي حققته البشرية حتى عام ٢٠٢٠ في مجالات الطب والتكنولوجيا وتبادل المعلومات والحاسوب لم يق الدول من شر الكورونا.  

لأول وهلة عندما يحاول المرء تقييم الوضع الحالي فهو يقارنه مع أحداث مرت عليه. وأنا وزملائي الصحفيون نجري هذه المقارنة مع أحداث عايشناها، كحروب واشتباكات عسكرية وأزمات سياسية خاصة في منطقتنا التي تعج بالأحداث، لكن عندما نأتي للحديث عن الكورونا فالأمر يختلف كليا. هي لا تشابه أي حرب قمت بتغطيتها في سنوات عملي الطويلة. 

ما يعيشه الناس في القدس وتل أبيب وحيفا يعيشونه أيضا في بغداد وبيروت ولندن ومدريد ونيويورك، فهذه المعركة ليست محلية أو إقليمية وإنما على نطاق العالم. في الحروب التي غطيتها كنا دوما أنا والمصور رفيقي طريق. لا يمكنني التحرك بدونه وهو كذلك لا يمكنه التحرك بدوني. لا تعرف متى يكون القصف أو متى قد تتعرض لمشهد يستحق التوثيق من أجل نقله لمشاهدينا. كنا نقضي أياما طويلة وأحيانا أسابيع في الميدان ونتنقل في أماكن مختلفة من أجل نقل المعلومة والصورة لمشاهدينا بأكبر قدر من الأمانة والمسؤولية. وتعرضنا أحيانا لسقوط قذائف كادت تودي بنا أو لاعتداءات ومضايقات، ولكن آثرنا على البقاء "لأن الحقيقة أولا" هي ليست شعارا وإنما أساس عملنا الصحفي. 

الكورونا قلبت الأوراق وفرضت قواعد لعبة جديدة تجبرك على إعادة ترتيب أمورك كي تواصل اداء رسالتك بأمانة ومسؤولية  بسبب الإجراءات والتقييدات التي فرضها الفيروس بالابتعاد عن الآخرين. وبدأت تنتقل الفعاليات والنشاطات بصورة أكبر إلى العالم الافتراضي. وتحولت الشبكة العنكبوتية إلى عالم يعج بالأحداث. اجتماعات ومؤتمرات ومظاهرات واحتجاجات تنتشر عبر الانترنت وهذا ما ساعدني إلى حد كبير في أن أستقي المعلومة والخبر من أجل إثراء عملي الصحفي من ناحية ومن ناحية ثانية أن التزم قدر الإمكان بالتعليمات في البقاء في المنزل, رغم إننا مخولون بالتحرك بسبب مهنتنا. 

 على أية حالة تأمين المعلومة لا يكفي في عالمنا إذا لم نفلح في نقلها للمشاهد. ولذا فقد بدأنا العمل على إيجاد طرق جديدة وعدم الاكتفاء بالأجهزة التقليدية التي يستخدمها المراسلون. إحدى الطرق التي لجأنا إليها هي تحويل الجهاز الخليوي إلى كاميرا متوفرة في كل مكان يمكنني أن أستلها من جيبي من أجل توثيق ما يمكن توثيقه ومن ثم نقله عن طريق تطبيقات خاصة للحرة في رسائل إخبارية مباشرة أو تقارير.

وهذا الوضع يثير في نفسي تساؤلات عما إذا نحن كبشر بصدد فترة جديدة ياخذ فيه الفضاء الإلكتروني حيزا اكثر مما كنا نتوقع أم أنها فترة عابرة والأمور ستعود الى ما كانت عليه؟ 

طاقم العاملين في القدس والطاقم الاوسع في واشنطن فهمنا جميعا إنه علينا أن نتعاون فيما بيننا لأن النجاح هو ليس فرديا وإنما جماعيا كما هو الحال من أجل التغلب على الكورونا الذي يحتم على المجتمع التعاون والتكاتف. التعاون أحيانا في الحفاظ على مسافة بعيدة الواحد عن الآخر وعدم التصافح والالتزام بتعليمات تملي علينا الابتعاد ولكن جميعنا ندرك أن هذا الابتعاد هو بسبب الحرص الواحد على نفسه وعلى الآخر أيضا، ورغم أن هذا الواقع غريب دائما يبقى الإدراك أنه ضروري وهو أقل ما يمكن أن تساهم في محاربة الفيروس الذي يجتاح العالم.  

 لا شك أن هذه الأيام التي نعيشها تاريخية وقد نعتاد بعدها على نمط حياة جديد لا يشبه الماضي ولكن النجاح يكمن في سرعة التأقلم مع الواقع وملائمة نفسك. فإذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ. 

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".