كريم مسعد

كريم مسعد - القاهرة

منذ بداية أزمة فيروس كورونا، يترقب والمصريون -وأنا منهم- وصول المدعو COVID-19، الذي بات العنوان الوحيد على مختلف وسائل الإعلام.

الأمور بدأت هادئة وعادية في فبراير الماضي، دون اكتراث من كثيرين بأن لدى مصر أول حالة إصابة بكورونا، تمر الأيام ويزداد القلق شيئا فشيئا، وترتفع الأصوات المطالبة بتوخي الحذر قليلا، ولكن النكات و"خفة دم المصريين" المعتادة في التعامل مع الحوادث الكبرى لاتزال مسيطرة، إلى أن وصلنا إلى حظر التجوال.

حظر التجوال هذا لنا فيه حكايات وحكايات، ليلا يلتزم الكثيرون خوفا إما من خرق الحظر وتكبد الغرامة المالية وربما الحبس، وإما التزاما بالقرارات الحكومية، ولكن ما أن تدق الساعة السادسة صباحا حتى ترى أسواقا تكتظ بالمواطنين وبنوكا يصطف أمامها العملاء ووسائل مواصلات "كمترو الأنفاق" تصبح بؤرا محتملة لانتقال المرض.

كمراسل ميداني، أستطيع أن أصف لك حجم التعامل المباشر مع المواطنين، وربما يمثل ذلك فرصة للإصابة لي ولزملائي في فريق العمل.

على المستوى الشخصي، غطيت حوادث كثيرة في ظروف خطرة وأجبرت على مدار تاريخ عملي على التعامل مع إطلاق الرصاص المباشر في ظل تغطية التظاهرات الكبيرة أو فضها في 25 يناير، أو أحداث أخرى مشابهة، كل ذلك كان مقلقا، لكنك تستطيع حماية نفسك واتباع إرشادات السلامة المهنية التي تدربنا عليها منذ سنوات.

أما في زمن كورونا، فأنت تتعامل مع شيء لا تراه ولا تعرف كنهه ولا تعلم إن كان من تخالطهم في الشارع حاملين للمرض أو مخالطين أو غيره، هو فيروس ربما ينتقل إليك أو تحمله على معداتك وتكون سببا في نقله.

عام 2020 المميز رقميا، كنت أتوقع أن يكون أيضا متميزا على مستوى الأحداث، ولكن لم أتخيل أن يكون مستوى الحدث بهذا الحجم الذي يسمى "جائحة".

استقبلنا العام بفيروس كورونا الذي يأتي في إطار سلسلة تاريخية يتميز بها العقد الثاني من كل قرن، فتجد وباء "الطاعون العظيم " ظهر في عام 1720 الذي ضرب مدينة مارسيليا الفرنسية وقتل في أيام 100 ألف شخص، وبعدها بمائة عام في 1820 جاء "الكوليرا" وفتك بالكثيرين، ثم الأنفلونزا الإسبانية التي انتشرت بعد ذلك بما يقارب 100 عام أيضا في 1918 الذي أودى بحياة ما يتراوح بين 40 و 50  مليون شخص.. وها هو كورونا يسجل نفسه في تاريخ عشرينيات القرون، لينضم لسلسلة من الكوارث التي حصدت أرواح ملايين البشر.

رغم صعوبة ما نواجهه أو نشعر به كمراسلين في الميدان، فإني أجد نفسي محظوظا كوني صحفيا ميدانيا لأني أشهد حدثا ربما لن يراه أجيال بعدنا، فانتشار الأوبئة بهذا الحجم حدث لا يتكرر ربما إلا كل مائة عام.

أحد مطاعم دبي
أحد مطاعم دبي

يسكب النادل في أحد المطاعم الراقية في دبي النبيذ في كوب بلاستيكي ويقدم شرائح اللحم على طبق ورقي، وقد وضع كمامة وقفازات من ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد.

ومع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.

وتم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلا والواقع في إحدى ناطحات السحاب.

وردد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الخمس نجوم.

ويحذر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعين إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات في الوقت الحالي، من موائد الإفطار الكبيرة إلى الحفلات في برك السباحة، بينما لا يزال خطر الفيروس موجودا.

ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.

وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أداوت المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية.

لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأن الأجواء لا تزال مغايرة عما كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل في ساعات محددة.

وقال لوكالة فرانس برس "التجارب الفخمة ليست فخمة حاليا"، مضيفا "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".".

على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسي للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعا في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.

واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.

وترى كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز" إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.

وأوضحت "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حاليا، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق".

وشددت على أنه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".

وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100 في المئة في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجباريا بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم هم 12 عاما وتتجاوز 60 عاما المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.

وتدفق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.

وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.

وتمثل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.

ووفقا لشركة الأبحاث "أس تي آر غلوبال"، فانه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30 بالمئة من وظائفه في في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.

وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبرغ المالية في غبريل الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
في المراكز التجارية، تتّجه المتاجر نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.

وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الاسبوع الاخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب.

إلا أن برك السباحة التي عادت ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.

وبينما يفكر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم.

وقال المغترب السويدي "أفكر مرتين فيما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصا وأن صحتي قد تكون الثمن".