تسببت أزمة كورونا في عزلة اجتماعية غير مسبوقة، وقد تكون آثار هذه العزلة أشد عند الذين يعيشون فرادى، من دون رفيق أو أنيس.
وقد يتساءل البعض: هل هناك مشكلة لو حاولت مقابلة صديق أو اثنين من حين لآخر، وماذا لو كونت دائرة مغلقة من الأصدقاء الأصحاء، كي نخرج معا بشكل شبه منتظم؟
هذا السؤال أجاب عليه تقرير لموقع "VOX"، استنادا إلى أراء خبراء في مجال الأوبئة والأمراض المعدية، والذين خلصوا إلى أن الفكرة ليست جيدة.
كروتيكا كوبالي، زميلة في مجال الأمن البيولوجي بمركز جامعة جونز هوبكنز للأمن الصحي، تقول "لا أنصح بهذا، عندما يقول الأطباء ابقوا في المنزل، فيجب الالتزام بهذا".
وبررت كوبالي موقفها قائلة "ربما تثق في أصدقائك، لكن ماذا تعرف عن الأشخاص الذين يقابلهم أصدقاؤك، هل تستطيع أن تثق بهم، أنت بذلك تضع حياتك بين أيديهم".
وتذهب مع هذا الرأي أيضا، كارولين كانوشيو، المتخصصة بعلم الاجتماع في زمن الأوبئة بجامعة بنسلفانيا، التي نصحت بعدم الاختلاط بأشخاص من خارج المنزل.
لكن بسبب الوحدة وما يمكن أن تمثله من خطر على الصحة النفسية للبعض، تضع كانوشيو استثناء، وهو مقابلة شخص واحد، بشرط اتفاق صريح بين الطرفين.
"حاول اختيار شخص مماثل لك في احتمالية الإصابة، فمثلا إذا كنت كاتبا وتعمل من المنزل، فسيكون صديقك شخصا يعمل أيضا من المنزل، وليس طبيب طوارئ"، توضح كانوشيو.
الاكتفاء بتطبيقات Facetime وSkype
أما ساسكيا بوبيسكو، كبيرة اختصاصيي الوقاية من العدوى في مستشفى هونر هيلث في أريزونا، فترى أن الشخص وفي حال تواصله مع آخرين معرضين للإصابة مثل كبار السن، فإنها لا تشجعه على مقابلتهم، والاكتفاء بتطبيقات Facetime وSkype.
وتوضح بوبيسكو أن التباعد الاجتماعي ليس معناه البقاء وحيدا في غرفة مظلمة. إنه يتعلق بالاحتفاظ بمجموعات صغيرة من الناس، مضيفة "لذلك، إذا كنت تتناول العشاء مع صديق، فلا مشكلة في هذا، طالما كنتما أنت وهو فقط".
لكن بوبيسكو تستدرك قائلة: "إذا كنت سأتبع مبدأ المقابلة بين اثنين فقط، ولكن مع خمسة أشخاص مختلفين في كل مرة، فإن ذلك يقضي على الهدف من التباعد الاجتماعي".
وفي حال ما رغب الشخص بشدة في مقابلة صديقه، فإن خبيرة الوقاية من العدوى تنصح بأن يكون هذا لمرة واحدة كل فترة، وليس مرتين أو ثلاثا أسبوعيا، مضيفة أن اللقاء كل ١٤ يوما يعتبر خيارا جيدا، وهي نفس فترة حضانة الفيروس.
تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.
وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.
وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.
ما هو ميتانيموفيروس البشري؟
تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.
واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.
وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.
أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.
ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024.
ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية".
من يصيب وما مدى خطورته؟
يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.
في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.
أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك
ما هو العلاج؟
لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.
لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.
وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.
لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.
طرق الانتقال وسرعة الانتشار
وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.
وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.
ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".
طرق الوقاية
تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:
* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية. * تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة. * تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور. * تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر. * البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.
هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟
بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.
ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.
ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.