يعبث الباحثون، وهم في بدلات الجسم المحمية، بالحشرات القاتلة التي ليس لها علاج
يعبث الباحثون، وهم في بدلات الجسم المحمية، بالحشرات القاتلة التي ليس لها علاج

لم تعد الحكومة البريطانية، منذ الأسبوع الماضي، تستبعد "النظرية" التي تقول إن فيروس كورونا المستجد قد يكون صنع وتسرب من مختبر في الصين، وفق تقرير لصحيفة "ذي صن" البريطانية. 

وكشفت الصحيفة أنه في معهد ووهان لعلم الفيروسات يعبث الباحثون، وهم في بدلات الحماية، بالجراثيم القاتلة التي ليس لها علاج، ويجرون اختباراتهم على الحيوانات الحية، وعندما ينتهون من عملهم يستحمون في "دش كميائي" قبل أن يغادروا المختبر.

وأضاف التقرير أنه في عام 2015، قام الخبراء في المختبر بهندسة نوع جديد من الفيروسات "الهجينة" الذي يمكن أن يصيب البشر، وفقًا لمجلة نيتشر ميديسين الطبية. 

وعلى الرغم من المخاوف المحيطة بالبحث، فقد تم تصميم الدراسة لإظهار خطر الفيروسات التي تحملها الخفافيش والتي يمكن أن تنتقل إلى البشر.

ووفق التقرير فإن المركز الثاني في الصين الذي يهتم بالفيروسات هو مركز ووهان لمكافحة الأمراض ويوجد على بعد 300 متر فقط من السوق الرطبة حيت يعتقد أن الفيروس انتقل لأول مرة من الحيوانات إلى البشر.

وأشارت الصحيفة إلى ورقة بحثية بعنوان "الأصول المحتملة لفيروس كورونا 2019"، تقول إن المختبر أبقى ما يصل إلى 605 من الخفافيش لأغراض البحث.

و أشارت الورقة إلى "حادث مرعب" وقع في المختبر، بعدما رشت بعض الحيوانات الطائرة العلماء بالدم والبول ما أجبرهم على الدخول في الحجر الصحي.

وقالت إن باحثا يدعى تيان جونهوا، الذي يظهر على شريط فيديو يجمع الحيوانات الصارخة، رش ببول الخفافيش الذي قيل إنه "نزل عليه مثل قطرات المطر" بعد أن نسي ارتداء بدلته الواقية.

ويزعم الأكاديميان اللذان يقفان وراء ورقة البحث التي تم سحبها الآن، بوتاو شياو ولي شياو، من جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، أن كوفيد-19 من المرجح أن يكون مصدره من المركز.

ومن المفترض، وفق التقرير،  أن يكون مركز ووهان للسيطرة على الأمراض والوقاية منها يعمل بأعلى معايير السلامة الممكنة.

تم افتتاح هذا المرفق في عام 2015، وكان أول منشأة في الصين يتم اعتمادها مع مستوى السلامة البيولوجية 4، إذ أن الفنيين العاملين فيه إما أن يعملوا في غرف معقمة للغاية أو عليهم ارتداء بدلات كاملة تحمي الجسم. 

ومثل هذه المراكز هي الأماكن الوحيدة في العالم حيث يمكن للعلماء دراسة الأمراض التي ليس لها علاج، وأي شخص يغادر المختبر يجب أن يتم تطهيره في دش كيميائي.

ويجب تسجيل جميع الأشخاص الذين يدخلون المختبرات المضغوطة ويخرجون منها من خلال القفل الهوائي حسب إرشادات السلامة.

ووفق الصحيفة، من الناحية الفنية يعتقد الخبراء أنه من المستحيل على فيروس أن يتسرب من مختبر من هذا النوع في حال ما تم اتباع البروتوكول الصحيح. 

 ويخلص تقرير الصحيفة أنه مع ذلك، وعندما يتم تخفيف الإغلاق ودفن الجثث، فإن العالم سوف يطالب بإجابات حول كيفية حدوث هذه الكارثة غير المسبوقة، وهناك بلد واحد فقط يجب أن يجيب عن هذه الأسئلة.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.