تجنب بوتين التجمعات العامة منذ أواخر مارس، وعهد بمسؤولية التعامل مع أزمة تفشي كوفيد-19 لمسؤولين مقربين
تجنب بوتين التجمعات العامة منذ أواخر مارس، وعهد بمسؤولية التعامل مع أزمة تفشي كوفيد-19 لمسؤولين مقربين

اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الجلوس في الخلف خلال أزمة تفشي وباء كورونا في بلاده، حيث يعمل عن بعد من مقر إقامته في ضواحي موسكو مفوضا السلطات التي أمضى سنوات وهو يستحوذ عليها في الكرملين، لأناس آخرين.

بالمقابل أخذ مسؤولون مقربون من بوتين، كعمدة موسكو سيرغي سوبيانين ورئيس الوزراء الجديد ميخائيل ميشوستين، على عاتقهم مسؤولية فرض إجراءات العزل الصحي الصارمة وغلق للحدود، فيما يقود مسؤولون آخرون جهودا موازية لاحتواء الفيروس وتداعياته الاقتصادية.

في غضون ذلك، ركز بوتين بشكل رئيسي على تخفيف التداعيات الاقتصادية للأزمة عبر عقد مؤتمرات عن بعد أو خطابات متلفزة داخل مكتب فارغ، يصعب على المرء أن يصدق أنه يمكن أن يكون مكانا لإدارة أزمة يحرص بوتين على تسليم مسؤولياتها للآخرين، وفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

وتضيف الصحيفة أن هذه الحالة غير عادية في روسيا، حيث تصدر القرارات السياسية من المركز، وحيث يعاني الناس من نقص في إمدادات الأقنعة الطبية، ومشاكل اقتصادية متزايدة في ظل إجراءات الحجر الصحي. 

ولاحظ محللون أن نهج بوتين هذا هو انعكاس لما يحصل في بعض الدول، حيث يُكلف المسؤولون المحليون بإصدار اللوائح الصارمة فيما تقدم الحكومة المركزية الحوافز المالية. 

من شأن هذا التصرف أن يحد من تحمل بوتين مسؤولية قرارات لا تحظى بشعبية وبالتالي يحافظ على دعمه العام.

وتخضع موسكو، التي سجلت فيها غالبية الإصابات المؤكدة بكوفيد-19، منذ نحو أسبوع لإغلاق تام يستثني محال بيع المواد الأساسية، حيث وأمرت السلطات السكان بملازمة بيوتهم.

وتعد روسيا رسميا 8672 حالة مثبتة بفيروس كورونا المستجد كما سجلت 63 وفاة. وقد شهدت البلاد تسارعا في الإصابات في الأيام الأخيرة مع نحو ألف حالة إضافية الأربعاء.

وتجنب بوتين التجمعات العامة منذ أواخر مارس، بعد أيام من ارتداء بدلة سلامة صفراء لزيارة المستشفى الرئيسي في موسكو حيث يرقد المصابون بالفيروس.

وأثناء وجوده هناك تصافح بوتين وتحدث مع مدير المستشفى الذي تم تشخيصه لاحقا بالمرض.

وقال الكرملين إن بوتين ليس مصابا ويعمل عن بعد، لكن اللقاء أثار تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الروسي أيضا معزولا ذاتيا.

لكن بوتين عاد وظهر الأربعاء، عندما ألقى خطابا متلفزا طلب فيه منح مكافآت للممرضات والأطباء الذين يقدمون الرعاية لمرضى كوفيد-19.

كما وصف الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع القادمة بـ "الحاسمة" في معركة روسيا ضد المرض.

وتشير صحيفة "الغارديان" إلى أن ظهور بوتين المتلفز، الذي أجرى خلاله مكالمات مباشرة من مسؤولين محليين واقليميين وبحث معهم إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة لمساعدة الروس، ربما يؤشر أنه يخطط لاتخاذ نهج عملي أكثر تجاه الأزمة.

وتقول المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا إن "بوتين ببساطة يرى أن معالجة تداعيات الفيروس ليست وظيفته، لكن لسوء الحظ يبدو أن جهاز الدولة نسى كيفية التصرف بشكل مستقل".

وكتبت في مقال نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "يتوقع الرئيس الكفاءة من مرؤوسيه، لكنهم اعتادوا على مجرد تنفيذ القرارات التي اتخذها الآخرون، وقد نسوا الآن كيفية اتخاذ قراراتهم الخاصة".

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.