تقرير يؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة لن تقضي على الفيروس
تقرير يؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة لن تقضي على الفيروس

يتمسك الكثير من سكان العالم بأمل انتهاء الفيروس بحلول فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، كما يحصل مع الأمراض الفيروسية وخصوصا تلك المشابهة للانفلونزا، إلا أن الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب بأميركا، قضت على هذه الآمال، في تقرير صادر عنها، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".

وأكد التقرير الذي رفعته إلى البيض الأبيض، أن مراجعة لمجموعة متنوعة من التقارير البحثية، خلصت إلى عدم وجود أدلة تؤكد هذه الفرضية، ولا يوجد أي دليل أن حرارة الشمس المرتفعة سوف تقضي على الفيروس.

وأضاف التقرير أن الحل الوحيد لمحاصرة الفيروس، هو تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي.

وقد أرسلت الأكاديمية هذا التقرير إلى كلفن دروغماير، مدير مكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض والمدير بالإنابة لمؤسسة العلوم الوطنية، وهو مكون من تسع صفحات، ويعرف باسم "مشورة الخبراء السريعة".

كريستيان أندرسن عالم المناعة في معهد سكريبس وعضو اللجنة الدائمة المعنية بالأمراض المعدية والتهديدات الصحية في الأكاديميات الوطنية، قال "بالنظر إلى البيانات الحالية، نعتقد أن انتشار الفيروس لن يتراجع على الأرجح بسبب حرارة الصيف، ويجب عدم بناء الاستراتيجيات والسياسات اعتمادا على هذا الأمل فقط".

ورغم ذلك لم يستبعد أندرسن أن يحصل انخفاض  في الانتشار مع بداية الصيف، "ولكن يجب أن لا نحسم أن سببه تغير المناخ وحرارة الطقس، من الممكن أن يكون سبب ذلك نجاح سياسية التباعد الاجتماعي".

 

السلوك البشري الأهم

 

من جانبه، أكد الدكتور ديفيد ريلمان، الذي يدرس تفاعلات الميكروبات المضيفة في ستانفورد، أن السلوك البشري هو الأهم، فإذا كان السعال أو العطس يحوي ما يكفي من الفيروسات لإصابة الشخص الآخر فإن درجة الحرارة والرطوبة لن يكون لها أهمية كبيرة.

وأشار تقرير الأكاديميات الوطنية، والوكالات المستقلة التي تقدم المشورة للحكومة والجمهور، إلى عدد قليل من الدراسات المعملية التي تظهر أن ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة يمكن أن يقلل من قدرة الفيروس التاجي الجديد على البقاء، مؤكدة أنها غير كافية للأخذ بها واعتمادها.

أوضح التقرير أن "هناك 10 أوبئة انفلونزا في السنوات الـ250 الماضية، اثنان تفشيا في شتاء نصف الكرة الأرضية الشمالي وثلاثة في الربيع واثنان في الصيف وثلاثة في الخريف، وفي جميع الحالات كانت هناك موجة ثانية بعد حوالي ستة أشهر من ظهور الفيروس لأول مرة، بغض النظر عن وقت التفشي لأول مرة".

 

نفي منظمة الصحة

 

وكانت منظمة الصحة العالمية نفت في وقت سابق النظريات التي رجحت اختفاء المرض بحلول فصل الصيف.

وأوضح المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية في المنظمة الدكتور مايك ريان أن على الجميع الافتراض أن الفيروس سيظل يتمتع بالقدرة على الانتشار، وأنه من الخطأ الاعتقاد أنه سيكون موسميا ويختفي في الصيف مثل الإنفلونزا، بحسب تعبيره.

كما أعرب ريان عن أمله في أن يختفي الفيروس، إلا أنه أشار أن هذا الاحتمال هو افتراض دون دليل.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.