اللقاح كان يعطى على وجه الخصوص في الدول الفقيرة
يتسابق العالم مع الزمن من أجل إيجاد لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد

تتسابق مؤسسات طبية حول العالم مع الزمن من أجل إيجاد لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد الذي أصاب أكثر من مليون ونصف المليون إنسان حتى الآن بمرض كوفيد-19.

ويبقى السؤال المهم الآن هو: هل ستتوافر كميات كافية منه للجميع؟

مجلة نيتشر في تقرير حول الموضوع كتبت أن بعض الباحثين يشككون في إمكانية توفير لقاح للجميع، وتوقعوا أن تقوم الدول الغنية باكتناز الإمدادات، وفقا لموقع مجلة "نيتشر" العلمية.

وقال التقرير إنه على الرغم من الوعود التي أطلقت مؤخرا لدعم المؤسسات الطبية التي ستقوم بإنتاج هذه اللقاحات، إلا أن الأموال التي أعلن عنها ليست كافية وستكون هناك حاجة لمليارات دولارات إضافية لسد الحاجة.

ومع الحاجة لإنتاج لقاحات ضد أمراض أخرى، قد لا تتوافر الجرعات اللازمة أمام مليارات البشر حول العالم.

ديفيد هايمان، الاختصاصي في الأمراض المعدية بـ"كلية لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة" قال إنه إذا كان المليارات من الناس يحتاجون إلى نوع جديد من اللقاح ضد الفيروسات التاجية، وفي الوقت ذاته تواصل الشركات صنع اللقاحات ضد الأنفلونزا والحصبة وغيرها من الأمراض، فقد يكون هناك نقص في الإنتاج.

وفي ضوء المخاوف من عدم وجود توزيع عادل للإمدادات، تخشى سيث بيركلي، التي ترأس منظمة  صحية غير ربحية، مقرها في جنيف، من القيود على سواء كانت مادية أو سياسية.

توفير اللقاحات بأعداد كبيرة يتطلب الإنتاج على نطاق واسع وهذا أيضا يواجه مشكلة فالبنية التحتية لإنتاج اللقاح تعتمد على نوعية الفيروس.

وقد يتكون اللقاح من نسخة ضعيفة أو معطلة من الفيروس التاجي أو جزء من البروتين أو سلسلة من الحمض النووي الريبي أو الحمض النووي، يتم حقنه في الجسم.

فيليب تابيا، من معهد ماكس بلانك بألمانيا الذي يدرس الفيروس، قال إنه إذا أثبتت اللقاحات المبنية من الأشكال المعطلة من الفيروس الجديد أنها أكثر فعالية، سيصبح من السهل تقدير الوقت المطلوب لإنتاج الجرعات من اللقاح الجديد، لأن هذه التكنولوجيا موجودة منذ خمسينيات القرن الماضي على الأقل.

لكن قد يتطلب اللقاح تنقية الفيروس بكامله بتركيزات عالية في مرافق حاصلة على شهادة السلامة البيولوجية من المستوى الثالث، وهذه المرافق "شحيحة" بحسب تابيا.

وهناك 12 شركة على الأقل تتبع فكرة الحمض النووي الريبي أو الحمض النووي.

تشارلي ويلر، رئيس برنامج اللقاحات في "ويلكوم"، شركة تمويل بحوث طبية في لندن، قال إن هذه الطريقة أبسط ما يسهل من توسيع الإنتاج.

ورغم أنه لم يتم الحصول على موافقة من قبل لإنتاج لقاح للإنسان بهذه الطريقة، تقوم شركتان في الولايات المتحدة وألمانيا بتجربة لقاحين بهذه الطريقة. شركة "كيور فان" في ألمانيا تتوقع أن تنتج ما يصل إلى 400 مليون جرعة سنويا بهذه الطريقة.

وهناك جهود أخرى في فرنسا لإعادة تصميم لقاح الحصبة لينتج بروتين الفيروس الجديد في الجسم.  ماري بول كيني، عالمة الفيروسات ومدير الأبحاث في وكالة الأبحاث الطبية االوطنية الفرنسية ترى إنه إذا نجح ذلك، فمن الممكن استخدام منشآت تصنيع لقاح الحصبة لصنع لقاح ضد الفيروس الجديد.

هناك فكرة أيضا تتمثل بإنتاج اللقاحات بسرعة بواسطة النباتات. شركة التبغ العملاقة BAT طرحت هذه الفكرة، لكن منتجات اللقاحات النباتية ستواجه عوائق تنظيمية كبيرة.

وبالنسبة لمشكلة التمويل، أعلن "تحالف ابتكارات التأهب للوباء" (CEPI) أن هناك حاجة إلى تمويل لا يقل عن 2 مليار دولار للمساعدة في تطوير اللقاحات المرشحة وتصنيعها للتجارب، لكن الحكومات لم تعد سوى بنحو 690 مليون دولار.

لكن الملياردير بيل غيتس، الذي دعا مؤخرا إلى توفير أماكن لتصنيع اللقاحات، قال إن مؤسسته الخيرية ستساعد في التمويل "حتى لا نضيع الوقت" حول معرفة طريقة اللقاح التي ستكون الأكثر نجاحا. 

شركة الأدوية العملاقة "جونسون آند جونسون" أيضا أعلنت في مارس عن شراكة بقيمة مليار دولار مع هيئة البحث والتطوير الطبي المتقدمة التابعة للحكومة الأميركية لتطوير لقاح، مع خطة لتسريع الإنتاج لتوفير أكثر من "مليار جرعة لقاح".

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.