مستشفى ميداني في نيويورك
مستشفى ميداني في نيويورك

في مستشفى كرايست الواقع في جيرسي سيتي بولاية نيوجرسي يتلقى المرضى المصابون بكورونا مجموعة من العلاجات التي يأمل الأطباء أن تخفف معاناتهم وإنقاذ حياتهم. 
وعلى سبيل المثال إعطاؤهم الأوكسجين والأستيرويد وجرعات عالية من فيتامين سي والثيامين والزنك، وحتى الأسبرين.

كما يتم  إعطاؤهم دواء هيدروكسي كلوروكوين وهو دواء للملاريا عمره عقود من الزمن  ومن أشد المؤيدين لاستخدامه الرئيس دونالد ترامب. 

وقد انضم الدواء بشكل غير متوقع إلى سلسلة الأدوية المضادة للفيروس في الشهر الماضي بعد أن وصفه ترامب بأن  قد يحدث "نقطة تحول" في العلاج ضد كورونا، على الرغم من أن الطب لم يحدد بعد ما إذا كان الدواء فعالا أم لا.

وكان الدواء قد أظهر نتائج إيجابية على مرضى مصابين بفيروس كورونا المستجد خلال تجارب صغيرة، إلا أن قيمته الفعلية لا تزال غير مثبتة ولم يخضع لتجارب سريرية تختبر سلامتها وفعاليته بالشكل المطلوب علميا حتى الآن، وهذا ما نوه إليه مرارا دكتور أنتوني فاوتشي كبير خبراء الأمراض المعدية في أميركا وهو جزء من اللجنة التي كونها الرئيس ترامب لمواجهة وباء كوفيد-19.

ولكن مع عدم وجود علاج معروف للفيروس، وفيما يموت مئات الأشخاص يوميا في نيوجيرسي ، لا يزال الأطباء هناك يتجهون إلى هيدروكسي كلوروكوين.

يقول الدكتور ناريش باتل، وهو طبيب في مستشفى كريست في جيرزي سيتي، أحد مستشفيات مقاطعة هدسون الثلاثة التي تديرها مجموعة CarePoint Health" في الوقت الحالي، هذا الدواء هو أفضل ما لدينا". 

وأعطي الدواء لما يقرب من 100 بالمئة من الحالات المصابة بكورونا في مستشفى كرايست، كجزء من نظام العلاج اليومي.

وأضاف باتل إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الدواء  يساعد "هناك تحسن لكن لا أدري إن كان بسبب الهيدروكسي كلوركوين أم الأكسجين أم علاجات أخرى.

ويقول : "أتمنى لو كان لدي إجابة محددة، ولكن من الصعب معرفة ذلك". 

وشدد باتل على أن الوضع الطاريء غير المسبوق يتطلب من الأطباء طرق كل الأبواب المتاحة. 

ويستخدم هيدروكسي كلوروكين منذ فترة طويلة لعلاج الملاريا ومرض مرتبط بالمناعة يسمى الذئبة أو اللوبس، والتهاب المفاصل، لكن إدارة الغذاء والدواء في أميركا سمحت باستخدامه لعلاج المصابين بكورونا في مراحل حرجة.

 ويأتي الأمل وسط دراسات محدودة في فرنسا والصين تشير إلى أن الدواء قد يساعد في تقليل آثار المرض وسرعة الشفاء منه.

ويمكن للأطباء في نيوجيرسي أيضا وصف الدواء حتى لعلاج الحالات الخفيفة. 

وفي نهاية مارس الماضي شهد الدواء إقبالا شديدا من قبل أناس غير مريضين بمن فيهم الأطباء وغيرهم من  العاملين في الحقل الطبي. 

ومثل معظم الأدوية، لهيدروكسي كلوروكين آثار جانبية يمكن أن تكون خطيرة، خاصة لمرضى القلب. 

وقال الدكتور فنسنت سيلنزيو من كلية الصحة العامة بجامعة روتجرز إنه لا ينتقد الأطباء الذين يصفون الدواء في هذه  الأوقات العصيبة. لكنه "لا سند علمي لذلك".

ويقدر دكتور مارتن توبييل، مسؤول الوقاية من الأمراض المعدية في مستشفيات Virtua Health الخمس في جنوب جيرسي  ان حوالي حوالي 20 إلى 50 في المئة من مرضى كوفيد 19 بهذه المستشفيات يتلقون الدواء.

وقال إن المستشفيات تتجنب اعطاءه للفئات الأكثر عرضة لمخاطر الدواء بعد إجراء فحوصات لهم. لكنه اكد أيضا أن من السابق لأوانه تأكيد فعالية الدواء.

وعلى غرار عدة مرافق بحثية أخرى، يجري معهد روتجرز للسرطان في نيوجيرسي تجربة سريرية على الدواء.  وقال الدكتور ستيفن ليبوتي، مدير المعهد الذي يشرف على التجربة إنهم يأملون في الحصول على نتائج بحلول أوائل يونيو.

وعادة ما يعطي الدواء ملحقا بمضاد حيوي يسمى azithromycin, هدفه مقاومة الالتهابات.
 

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.