من عيد الفصح إلى رمضان.. مناسبات دينية عادة ما يجتمع فيها الأهل والأقارب للاحتفال والصلاة، لكن هذه المظاهر ستختلف مع استمرار وباء كورونا هذا العام.
فمع أوامر البقاء في المنازل وحظر التجوال في بعض البلدان للحد من انتشار الفيروس، على الناس أن يتحملوا شهرا آخر على الأقل من "التباعد الاجتماعي" وعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة، ما يعني عدم ممارسة روتين الحياة الطبيعية لفترة أطول.
ويرى خبراء الصحة النفسية أن الاضطراب في الروتين عندما يطول أمده قد يحمل معه مشاعر غضب واكتئاب وقلق وحزن.
ويقول مدير البحوث في جمعية علم النفس الأميركية الدكتور فيل رايت "هناك حزن طبيعي على فقد الأحبة الذين يتوفون بسبب الوباء، لكن قد نشعر بالحزن حاليا بسبب خسارتنا لأشياء كنا قد اكتسبناها أو اعتبرناها من المسلمات، مثل الحرية".
ويشير الخبراء إلى أن الأشهر القليلة المقبلة قد تؤثر سلبا على الصحة العقلية، ولكنهم يؤكدون أن فيالإمكان التعامل مع ذلك والتخفيف من الضغط.
أستاذ علم النفس بجامعة كارنيغي، الدكتور باروش فيشهوف، يرى أن أكثر من سيتأثرون عقليا بهذه الأزمة هم من يعانون من انعدام الأمن المالي، إذ "سيتحملون ضغطا إضافيا يصعب حله".
"الصدمة الجماعية"
وتقول طبيبة الصحة النفسية الدكتورة دانا غارفين إن تمديد العزل الصحي وإجراءات التباعد الاجتماعي والضغط الذي يمثله الوباء، عوامل قد تؤثر على كل الناس بشكل مختلف، مشيرة إلى أن تجربة "البقاء في المنزل" يمكن أن تشكل ما سمتها بـ"الصدمة الجماعية" مثل تأثير الأعاصير والزلازل والهجمات الإرهابية.
وتبدأ "الصدمة الجماعية" من نقطة تأثير ما، ثم تنتقل إلى أصدقائك ومعارفك. فعلى سبيل المثال عندما يموت شخص ما تبدأ الصدمة من كل شخص لديه متوفى أو متأثر بالوباء فيتأثر من هم حوله ويتوسع النطاق حتى يصبح الأمر "صدمة جماعية"، خاصة عندما يموت أناس كثيرون.
وتؤكد غارفين أن المدة الزمنية التي سيبقى فيها الناس معزولين هي ما سيحدد مدى خطورة وتأثير ذلك على صحتهم العقلية.
وتوضح أن "التعرض لمدة طويلة لصدمة فيروس كورونا يمكن ان تنشط أفعالا سلبية كالشجار أو الهروب، والتي يمكن أن تتسبب مع مرور الوقت في مشاكل في القلب وأزمات صحية أخرى".
وتشير إلى أن من سيعانون أكثر في اضطراب ما بعد الصدمة، هم بعض المجموعات المهنية مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية ووسائل الإعلام وكذلك الوظائف الخدمية الأساسية.
غير أنها تؤكد أن هناك من البشر في كل مجال من يتمتعون بالمرونة وينسون ما مروا به خلال يومهم في العمل بعدما ينتهون منه، ويستطيعون الفصل بين حياتهم المهنية والأسرية.
فكيف يمكننا تجنب الصدمة النفسية والعقلية؟
بالتأكيد نجهل جميعا ما يخبئه لنا المستقبل، لكننا نعلم أن الأسبوعين القادمين سيكونان مختلفين، خاصة عندما نقتنع أن نبادر نحو الخطوة الأولى، وهي أن نعيش اللحظة الحالية كأنها أفضل لحظة في حياتنا بقدر المستطاع.
أما الخطوة الثانية فتتمثل في خلق روتين جديد ليومنا، يتضمن الاستحمام، والحفاظ على الوجبات العائلية، والانخراط في الجو الأسري، وعدم التعامل مع الوقت كفترة سجن إلزامية.
ويقول الدكتور فيشهور إن هناك فرصة خلال الأزمة لتطوير عاداتنا وتحسينها لمستقبلنا أيضا، "فمن المهم أن نطور عادة استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي لتكون اجتماعية فعلا، والتواصل مع الناس والأحباء ليس بهدف تغذية القلق وتضارب المعلومات والشائعات حول الفيروس".
أما الذين يعانون من موارد مالية قليلة ويكافحون من أجل العمل، فقد تكون موارد الصحة النفسية والعقلية الافتراضية خطوة إضافية لهم، مع إدراكهم أنهم ليسوا وحدهم في هذه الأزمة وأن المجتمع ككل يعاني مثلهم، بحسب غارفين.