لومباردي تقرر تمديد فترة الحجر الذاتي المعمول بها
لومباردي تقرر تمديد فترة الحجر الذاتي المعمول بها

ما يجري في إيطاليا يحير السلطات والعالم في آن معا، لماذا لا تتم السيطرة على إنتشار الفيروس؟ وما السر الذي يقف وراء الارتفاع الكبير والمتسارع في حالات الإصابة. 

وزير الصحة والرعاية الاجتماعية في لومباردي، جيوليو غاليرا، قال إنه على الرغم من الانتقادات إزاء ما يرى كثيرون أنه رد فعل مبالغ فيه، إلا أن مضاعفة فترة الحجر تنطلق من حقيقة أن لا أحد يعرف حقا كم من الوقت تستمر الإصابة عند الشخص مصابا أو كم يظل قادرا على نقل العدوى.

السر .. حجر غير كاف ومصابون من دون أعراض

أليساندرو بوليتي، مذيع إيطالي، أصيب بصدمة عندما كانت نتيجة فحص خضع له للكشف عن كورونا إيجابية في 11 مارس. ذلك الفحص أجراه مع زملاء له من باب الحذر، بعد إصابة زميل لهم بالمرض.

ولم يعاني الشاب البالغ 30 عاما من أي أعراض خطيرة واقتصر المرض عنده على الحمى الخفيفة وألم في الحلق، وفق ما ذكره موقع ديلي بيست الأميركي.

وبعد اتباعه الإرشادات المتعلقة بإنهاء الحجر الذاتي الصادرة عن السلطات الصحية في بلاده، خضع لفحص جديد بعد أسبوعين من تاريخ الفحص الأول.

ورغم أنه لم يكن يعاني من أية أعراض على الإطلاق بما فيها الحمى الخفيفة، إلا أن النتيجة كانت إيجابية للمرة الثانية.

خضع الرجل لفحص ثالث بعد أسبوع، أي بعد 21 يوما من الفحص الأول، فكانت النتيجة إيجابية أيضا. وبعد 30 يوما، ظلت النتيجة إيجابية، لكنه لا يعاني من أي من الأعراض المعروفة.

حالة بوليتي ليست منفردة، إذ أن كثيرا من الأشخاص ممن لديهم أعراض خفيفة أو غائبة تماما يستمرون في حمل الفيروس حتى بعد انقضاء فترة الأسبوعين من الحجر المعمول بها حول العالم، ما يثير تساؤلات إزاء مدة بقاء الفيروس في جسم بعض الأفراد وما إذا كان ذلك له دور في سبب عجز إيطاليا عن التخلص من كورونا المستجد رغم إجراءات الإغلاق الصارمة التي اعتمدتها.

ودفع ذلك لومباردي إلى إعادة النظر في إرشاداتها المتعلقة بالحجر، واعتبارا من الأسبوع الجاري، أي شخص تكون فحوصاته إيجابية أو تظهر عليه أعراض ويطلب منه البقاء في الحجر الذاتي بدل الخضوع للمسح، عليه أن يبقى في معزولا لـ28 يوما وهي ضعف الفترة الموصى بها من قبل المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها وكذلك منظمة الصحة العالمية. 

 وقال مدير قسم العلوم الطبية الحيوية والسريرية في مستشفي ساكو في ميلانو، ماسيمو غالي، هذا الأمر قد يكون وراء تأخر إيطاليا في تسجيل تراجع حاد في حالات كوفيد-19 رغم تمكنها من تسطيح المنحنى قبل 10 أيام. 

وقال غالي "بوليتي ليس حالة منفردة"، مضيفا "علينا أن نفهم كيف ينبغي أن نتصرف لتجنب الأسوأ. إجراء ملايين الفحوصات أمر مستحيل، لكن يجب التوصل إلى تدابير لمكافحة الفيروس وحلول لأن مرضى مثل بوليتي، لا أعراض لديهم على الإطلاق أو لديهم أعراض خفيفة لكنهم يحملون الفيروس بعد أيام عديدة، يشكلون مشكلة".

ومن المفترض أن تبدأ إيطاليا المرحلة الثانية من الإغلاق في الثالث من مايو، لكن في لومباردي أي شخص تكون نتائج فحصه إيجابية حتى ذلك الموعد، سيكون عليه البقاء في الحجر 28 يوما في محاولة لتجنب موجة جديدة من انتشار الوباء.

وكانت لومباردي، وهي أغنى مناطق إيطاليا، الأولى التي يجتاحها الفيروس.

وتضم المنطقة 60 ألفا من حالات الإصابة الـ160 ألفا في البلاد، فيما تشكل الوفيات فيها 60 في المئة من مجموع الحالات المسجلة في البلاد وتتجاوز 20 ألفا و400.  

وشهدت ميلانو التابعة للومباردي السبت فقط وفيات تتجاوز المنطقة المحيطة بروما منذ اندلاع الأزمة الصحية في 25 فبراير الماضي.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.