مديرة صندوق النقد الدولي تقول أن الإنكماش العالمي سيتطلب تمويلا كبيرا
مديرة صندوق النقد الدولي البلغاريّة كريستالينا جورجييفا

يدفع وباء كوفيد-19 الاقتصاد العالمي إلى أعمق ركود يشهده منذ قرن، مع انخفاض الناتج العالمي بثلاثة في المئة هذا العام، وفق ما أفاد صندوق النقد الدولي الثلاثاء.

وبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد، سيكون بإمكان الاقتصاد العالمي تحقيق انتعاش بنسبة 5,8 في المئة في 2021 إذا تم احتواء الفيروس وعادت الحركة الاقتصادية إلى طبيعتها.

لكنه أقر بصعوبة وضع توقعات دقيقة في ظل وضع يتطور بشكل متسارع.

وحذر الصندوق من "مخاطر كبيرة بحدوث حصيلة أسوأ" جراء "الضبابية الشديدة في ما يتعلق بمدى قوة التعافي" في وقت فرضت إجراءات إغلاق في معظم دول العالم، في ظل الجهود الرامية لاحتواء الوباء ومنع انهيار أنظمة الرعاية الصحية. 

وتوقع التقرير انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة 5,9 في المئة، لكنه توقع في الوقت ذاته تعافيه العام المقبل مع نمو نسبته 4,7 في المئة.

لكن التوقعات مبنية على فرضية زوال الفيروس في النصف الثاني من العام. وحذر الصندوق من أن "نتائج نمو أسوأ بكثير هو أمر محتمل بل مرجح إذا بقي الوباء وتدابير الاحتواء لفترة أطول، وتأثّرت الاقتصادات النامية والناشئة بشكل أكبر أو إذا ظهرت تداعيات مضرة واسعة بسبب إغلاق الشركات والبطالة واسعة النطاق".

وأصيب نحو مليوني شخص في العالم بوباء كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد لقي 120 ألفا منهم حتفهم، بينما توقفت حركة السفر بشكل شبه كامل وأجبرت الأعمال التجارية والمتاجر والمطاعم على إغلاق أبوابها.

ويعد "الإغلاق الكبير"، وهو المصطلح الذي استخدمه صندوق النقد الدولي للإشارة إلى الركود العالمي الحالي، الأسوأ منذ "الكساد الكبير" في ثلاثينيات القرن الماضي.

وهو كذلك أول انكماش منذ الأزمة المالية العالمية في 2009، رغم أنه لا مجال للمقارنة بين الحالتين. فرغم أن التداعيات بقيت لفترة طويلة نسبيا حينها، إلا أن التراجع بلغ 0,1 في المئة فقط، بينما كانت اقتصادات الأسواق الناشئة تنمو بوتيرة ثابتة.

وسينجو اقتصادان فقط هذا العام من الركود هما الصين، حيث ظهر الفيروس، والهند. مع ذلك، لم يحقق البلدان إلا نموا ضعيفا نسبيا قدره 1,2 في المئة و1,9 في المئة، على التوالي.

 

"تعاون قوي"

وشدد صندوق النقد الدولي على أن حدوث ركود شديد هو أمر "لا يمكن تجنبه" لكن في الإمكان اتّخاذ إجراءات "مالية ونقدية ملموسة ومحددة الأهداف" للتخفيف من حدة الأزمة وضمان وضع الاقتصاد في موقع يمكنه من استئناف نشاطه فور انتهاء تدابير الإغلاق.

وأفاد التقرير بأنه "سيكون على السياسات الاقتصادية التخفيف من تداعيات تراجع النشاط على الناس والشركات والمنظومة المالية" ومنع "التأثيرات المضرة" لحالات الإفلاس الواسعة النطاق.

وأقرت العديد من الحكومات حزم إنفاق ضخمة بالتعاون مع البنوك المركزية التي تضخ السيولة في المنظومة المالية لمنع أي انهيار.

لكن صندوق النقد الدولي قال كذلك إن "التعاون القوي المتعدد الأطراف ضروري للغاية لتجاوز تداعيات الوباء العالمي".

ويمكن لإجراءات متزامنة أن تحمل "تأثيرات أضخم"، بل بإمكانها كذلك تجنب بعض أخطاء القرن الماضي عندما تبنت الدول "سياسات تجارية عقيمة زادت الهبوط الاقتصادي العالمي سوءا".

ودعا التقرير إلى "خفض الحواجز سواء كانت رسوما أو غيرها والتي تعرقل التجارة عبر الحدود وسلاسل الإمدادات العالمية".

ويعتمد الانتعاش في 2021 بشكل كبير على تلاشي الوباء في النصف الثاني من 2020 "ما يسمح بتخفيف جهود احتواء (الفيروس) بشكل تدريجي وإعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين".

وفي حال طال أمد "الإغلاق الكبير" أو تفشّى الفيروس مجددا العام المقبل، أو حصل كلاهما معا، فقد يكون التعافي المتوقع في 2021 أسوأ بما يصل إلى ثمانية في المئة عن التوقعات الحالية، بحسب التقرير.

وشدد التقرير على أن إيجاد علاج للفيروس هو الحل الوحيد المؤكد للمضي قدما، لكن "ريثما تصبح تدخلات طبية من هذا النوح متاحة، فلا بلد في مأمن من الجائحة".

اللقاحات المضادة لكورونا حالت دون حدوث ملايين الوفيات حول العالم
تم تحديث لقاحات كوفيد-19 من شركة فايزر لتوفير الحماية ضد الطفرات الجديدة للفيروس

ستتوفر قريبا اللقاحات المحدَّثة ضد كوفيد-19 في الصيدليات، بينما تشهد الولايات المتحدة وعدة دول أخرى زيادة في حالات الإصابة. 

في غضون ذلك يتساءل كثيرون "هل من الأفضل الحصول على الجرعة الجديدة على الفور، أم ينبغي الانتظار؟

ردا على ذلك، يقول كارلوس دل ريو، أستاذ الطب المتميز في جامعة إموري وخبير الأمراض المعدية لشبكة "سي إن إن" إنه "لا تتوفر هناك إجابة بسيطة لهذا السؤال".

وتم تحديث لقاحات كوفيد-19 من شركة فايزر لتوفير الحماية ضد الطفرات الجديدة للفيروس.

وأضاف دل ريو "نحن في وسط موجة جديدة، العديد من الناس، بمن فيهم أنا شخصيًا، قد تعرضوا مؤخرًا للإصابة بكوفيد" مشيرا إلى أن إصابته جعلته يقرر تأجيل الحصول على الجرعة الجديدة.

وقال: "إذا كنت قد أصبت بكوفيد في الأشهر الثلاثة الماضية، فعليك أن تنتظر.. ليست هناك حاجة للحصول على لقاح، لأنك بطريقة ما، قد 'تلقيت' اللقاح من السلالة الحالية".

وإذا لم يتعرض  الشخص للإصابة بكوفيد مؤخرًا، وخاصة إذا كان سنه 65 عامًا أو أكثر فيوصي هذا المختص بالحصول على اللقاح "في أقرب وقت ممكن"، على حد تعبيره.

وينطبق الشيء ذاته على الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة تزيد من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة.

من هم الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الاستشفاء أو الوفاة؟

يقول الدكتور بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا وعضو في لجنة مستشاري اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في حديثه للشبكة الأميركية إن الأشخاص الذين يصابون بكوفيد بشكل شديد يستدعي دخول المستشفى أو قد يهدد حياتهم ينتمون أساساً إلى أربع فئات.

الفئة الأولى تتكون من الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، والثانية، الأشخاص الذين لديهم حالات طبية تعرضهم لخطر عالٍ، مثل السمنة والسكري وأمراض الكبد والرئة أو القلب المزمنة. أما الثالثة في فئة النساء الحوامل، والرابعة مكونة من المسنين، أو الأشخاص فوق 75 عاما.

في المقابل يقول أوفيت وخبراء آخرون إن البالغين الأصغر سنًا والأصحاء يمكنهم الانتظار.

وتابع "الانتظار حتى الخريف يضمن حماية أفضل خلال موسم الفيروسات التنفسية، الذي يصل ذروته عادة في ديسمبر ويناير".

وقالت الدكتورة ميغان راني، عميدة كلية الصحة العامة في جامعة ييل لـ "سي إن إن" "إذا لم تكن قد تعرضت للإصابة مؤخرًا، فإن الجرعات المنشطة الجديدة مهمة للغاية، الطفرات الحالية لكوفيد تختلف بشكل كبير عن طفرات الشتاء الماضي، وهذه الجرعات المنشطة لهذا العام تتوافق مع الطفرات الجديدة".

وتوافق راني على أن كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أساسية والذين لم يتعرضوا مؤخرًا للإصابة يجب أن يحصلوا على لقاحهم الآن، لكنها تنوي تأجيل لقاحها قليلاً.

"أنا أخطط للانتظار حتى نفس الوقت الذي سأحصل فيه على لقاح الإنفلونزا، في أكتوبر"، كما قالت.

وأشارت راني إلى أن اللقاحات المحدثة التي تعتمد على تقنية "mRNA" من فايزر وموديرنا ستكون متاحة أولاً، مع وصول لقاح نوفافاكس في غضون بضعة أسابيع.

وأظهرت الأبحاث الجديدة أن الأشخاص غير الملقحين ضد كوفيد-19 قد يكونون في خطر أعلى من الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق.

وأضافت راني "إذا كنت مترددًا بشأن mRNA لسبب ما، على الرغم من أن هذه اللقاحات آمنة جدًا، فإن الجرعة المعززة من نوفافاكس، التي تعتمد على البروتين، ستكون متاحة أيضًا قريبًا".

بيتر شين-هونغ، خبير الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، يقول من جانبه إنه سينتظر أيضًا لبضعة أسابيع.

"لن أهرع للحصول على اللقاح. أنا أكثر قلقًا بشأن الشتاء من الصيف" وفق قوله.

والخميس، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، على طرح اللقاحات الجديدة من موديرنا وفايزر (بالتعاون مع بيونتك)، والتي تستهدف متحور KP.2 من سلالة أوميكرون.

وستكون هذه الجرعات متاحة للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 6 أشهر، في وقت يشهد ارتفاعًا مستمرًا في حالات دخول المستشفيات بسبب كوفيد-19، وفقًا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).