كورونا يكاد يودي بحياة طبيب شاب صحيح الجسم
كورونا يكاد يودي بحياة طبيب شاب صحيح الجسم

طبيب في سياتل بالولايات المتحدة في الـ 45 من عمره، رياضي يتمتع بصحة جيدة ولا يمرض أبدا، لكنه كاد يفقد حياته بسبب كورونا. 

قصته تلقي  الضوء على المخاطر التي تواجه العاملين في المجال الطبي والآثار التي يمكن أن يتركها الفيروس على البشر.

سياتل، بولاية واشنطن، كانت أول منطقة يظهر فيها كورونا بالولايات المتحدة، قبل أن ينفجر في دار للرعاية الصحية. لم يتوان الطبيب رايان بادغت عن خدمة مصابي كورونا، يوما تلو الآخر. 

فجأة، في أول مارس، شعر بصداع، وتعب في جسمه، الأمر الذي لم يعتد عليه من قبل. فهو طوال 21 عاما، لم يأخذ سوى خمسة أيام إجازة مرَضية. 

في التاسع من مارس شعر بحمى وسعال، وبعد يومين آخرين بدأ يشعر بضيق في النفس. 

هنا، أرسل بادغت رسالة نصية لصديق له،  قال له فيها "إن هذا الشيء إما وحش، أو أنني لست معتادا على المرض.. لقد خذلني جهاز مناعتي". 

أجرى بادغت اختبار كورونا، لكن ظهور النتيجة كان يأخذ وقتا. خلال هذه  الفترة كان الطبيب الأربعيني في حالة إنكار تام، رغم ملازمته البيت بالقرب من جهاز مراقبة أوكجسين.

لاحظ بادغت نقصانا في نسبة الأوكسجين بدمه، وبعد تدهور حالته،  قررت خطيبته اصطحابه  إلى المستشفى. وبعد ساعات وضع له جهاز تنفس صناعي.

هيدروكسي كلوروكوين 

اضطر زملاؤه إعطاءه عقار هيدروكسي كلوروكوين أملا في إخراجه من وضعه المتدهور، رغم عدم وجود دلائل علمية قاطعة على فعالية هذا الدواء.   لكن حاله بدأ يزداد سوءا.

في 16 مارس بدأ قلبه يعاني ثم كليتاه، أما رئتاه فلم تتمكنا من تزويد الجسم بكميات كافية من الأوكسجين. لدرجة أن الأمر كاد أن يؤثر على الدماغ.

أظهرت النتائج لاحقا أن بادغت مصاب فعلا بكورونا. وقد كان ثاني طبيب يصاب بالمرض في أميركا.

على شفا الموت

على عجل، قرر زملاؤه في  غرفة الطوارئ نقله إلى  اختصاصي قلب، رأى هو الآخر أن بادغت فعلا على حافة الموت، وفي محاولة لإنقاذه لم يجدا بدا سوى وضعه على جهاز يسمى ECMO، ساعده في ذلك سنه وعدم إصابته بأمراض مزمنة.

 الجهاز يقوم مقام القلب والرئة، ويقوم بإخراج الدم غير المؤكسد من الجسم، ثم يؤكسده، قبل إعادته الى الجسم مرة أخرى. وقال اختصاصي القلب سامويل يوسف "لقد جلبنا له غرفة العمليات، بدلا من نقله إليها".

تم أيضا استشارة اختصاصي التهابات بعد أن اتضح أن جسم بادغت تعرض لهجوم قوى من جهازه المناعي يسمى عاصفة سيتوكين، وهذا يعني أن الفيروس انتشر في أنحاء واسعة من جسمه.

وتعامل الأطباء مع هذه الحالة بإعطائه مسبط مناعي يسمى  tocilizumab يعطى عادة لمرضى السرطان، إضافة إلى كميات من فيتامين سي.

المرة الأولى في حياتي

بحلول منتصف مارس، بدأت حالة بادغت تتحسن، وفي الثالث والعشرين منه تمت إزالة جهاز ECMO،  فيما أزيل  جهاز التنفس الصناعي في  السابع والعشرين من الشهر  نفسه.

بعد أسبوعين من ذلك، بدأ بادغت يفوق من غيبوبته ويتحسن شيئا فشيئا " هذه المرة الأولى في  حياتي التي أفقد فيها السيطرة تماما. فهمت الآن لماذ يعاني  الضعفاء من كورونا، الجزء المخيف أن هناك  أصحاء سيعانون أيضا، أفكر في زملائي بالخطوط الأمامية".

أدرك بادغت أن الأمور تغيرت وأن ظروف الإغلاق ستحتم عليه تغيير موعد زواجه الذي كان مقررا في مايو المقبل.

بادغيت لا يزال يتعافي جسديا وذهنيا، ومن المقرر أن يخضع خلال الأشهر القادمة لعلاجات طبيعية. ليعود بعدها إلى عمله، رغم المخاطر التي تكبدها.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.