لم تكتف الصين بإخفاء الأدلة بخصوص فيروس كورونا، بل تحاول الآن التهرب من مسؤولية انتشار الوباء، كما يرى رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية السابق، جون ساورز.
وقال ساورز في تصريحات نقلتها صحيفة "دايلي مايل" البريطانية، إن بكين لم تكن صادقة عندما ظهر المرض لأول مرة، وعندما ووجهت بالغضب من جانب المجتمع الدولي.
وأصر ساورز على أن منظمة الصحة العالمية تحوم حولها شكوك جدية، لفشلها في فحص أنشطة الصين، بالرغم من ضرورة توجيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، غضبه نحو الصين بدلا من المنظمة، كما يرى ساورز.
وجاءت تصريحات ساورز عقب تصريح وزير الخارجية البريطاني السابق، ويليام هيغ، الذي قال فيه بضرورة توقف المملكة المتحدة الاعتماد على القوى الآسيوية في التكنولوجيا، بعدما أظهرت الأزمة "عدم تقيدها بقواعدنا".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وجه انتقادات شديدة لمنظمة الصحة العالمية، متهما إياها بالتركيز على الصين، معلنا في نفس الوقت تجميد بلاده لملايين الدولارات المخصصة لتمويل المنظمة.
ويطالب نواب بريطانيون بإجراء إصلاحات ضرورية تخص علاقة بلادهم مع بكين، حيث ينادون بعدم السماح للشركات الصينية بالاشتراك في إنشاء شبكة الاتصالات الجديدة 5G.
وقال ساورز في تصريحات لإذاعة "بي بي سي ٤"، إن "هناك غضب حقيقي في أميركا لما يشهدونه من ضرر لحق الجميع بسبب الصين، وتتهرب الصين من قدر كبير من مسؤولية نشوء الفيروس، ولفشلها في التعامل معه في بادئ الأمر".
وأضاف ساورز "في نفس الوقت، لا يمكننا إيجاد طريقة للخروج من الأزمة، إلا بالعمل مع الصين، إن العالم لن يكون كما كان قبل الفيروس".
وأوضح ساورز أن دور الاستخبارات هو جمع المعلومات التي أخفيت من قبل الدول والأطراف أخرى، مشيرا إلى أن هناك فترة وجيزة بين ديسمبر ويناير، أخفت فيها الصين أدلة الفيروس عن الغرب.
أما فيما يخص منظمة الصحة العالمية فقال ساورز "أعتقد أن منظمة الصحة العالمية تواجه أسئلة جادة للإجابة عليها حول أدائها، لكن يجب أن يوجه الغضب نحو الصين بدلا من وكالات الأمم المتحدة".
وفيما يتعلق بالتعاون الصناعي بين الصين والغرب، قال ساورز "لا يمكن أن تعتمد سلاسل الإمداد الخاصة بنا على الصين للأبد، وهذا ظهر جليا في الأزمة الحالية، وعلينا أن نأخذ في عين الاعتبار التكنولوجيا والموارد المستقبلية".
كما أشار ساورز إلى وجود محاولات من جانب الصين، لنشر الأكاذيب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تدعي أن بكين لا تتحمل مسؤولية الفيروس، وإنما هي مسؤولية الولايات المتحدة.
تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.
وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.
وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.
ما هو ميتانيموفيروس البشري؟
تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.
واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.
وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.
أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.
ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024.
ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية".
من يصيب وما مدى خطورته؟
يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.
في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.
أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك
ما هو العلاج؟
لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.
لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.
وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.
لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.
طرق الانتقال وسرعة الانتشار
وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.
وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.
ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".
طرق الوقاية
تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:
* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية. * تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة. * تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور. * تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر. * البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.
هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟
بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.
ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.
ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.