سوق للمأكولات البحرية في شانغهاي في صورة التقطت في 13 فبراير 2020
سوق للمأكولات البحرية في شانغهاي في صورة التقطت في 13 فبراير 2020

أعادت الصين فتح 94 في المئة من الأسواق الرطبة، اعتبارا من 22 مارس الماضي، بعد نحو شهر من إغلاقها، مع وعد بإصدار قانون يشدد الرقابة على هذه الأسواق، التي يرجح العلماء أن وباء كورونا انطلق منها. 

والأسواق الرطبة هي أماكن "لبيع اللحوم الطازجة والأسماك والمنتجات". كما أنها تبيع مجموعة من حيوانات برية غريبة، وهي موجودة بكثرة في الصين وهونغ كونغ والفلبين وتايوان وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام، بحسب تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية. 

ولأنها تبيع الحيوانات الحية، فينتشر البراز والدماء في كل مكان، وتتميز بالفوضى وعدم النظافة، ويكثر فيها احتمال انتشار فيروسات أخرى قد تنتقل إلى البشر. 

وفي سوق هوانان للمأكولات البحرية بالجملة في ووهان، تباع عشرات الأنواع من الحيوانات، مثل السلمندر والتماسيح الصغيرة والكلاب والراكون، التي غالبا ما يشار إليها باسم الحياة البرية، حتى عندما تربى في مزراع خاصة. 

وعلاوة على أن فتح هذه الأسواق في الصين من جديد، جاء من دون إصدار قانون تشديد الرقابة، الذي تقول الحكومة إنها تصوغه حاليا، فإن الخبراء يخشون أن يعيد التاريخ نفسه ويكون مصيره مثل سابقه، فيضطر العالم إلى انتظار الوباء التالي. 

فبعد وباء سارس، الذي بدأ في الصين أيضا في عامي 2002 و2003، حاولت عدة مقاطعات صينية التعامل مع تجارية الحياة البرية، فحظرت بيع بعض الحيوانات، مثل الثعابين وقطط الزباد. 

وارتبط وباء سارس ببيع قطط الزباد في مقاطعة غوانغدونغ الصينية. 

لكن مع مرور الوقت، فإن العديد من قرارات الحظر إما أزيلت بهدوء، أو تلاشى مفعولها، فأصبحت كأنها لم تكن.

 

تغيير الممارسات 

 

مع تطور الأوضاع، بدأ المستهلكون في الصين في تغيير ممارساتهم وعدم الذهاب إلى هذه الأسواق، مع دخول منتجاتها خضم المنافسة مع محلات البقالة الكبيرة وأيضا عمالقة الإنترنت المحترفين مثل علي بابا وغيرها والتي تقدم حسومات لزبائنها. 

وأصبحت أسواق الإنترنت ضرورة يومية للصينين مؤخرا، خاصة عندما تم إغلاق البلاد وحظر التجوال في مناطق كثيرة مع تفشي وباء كورونا. 

لكن مع عودة الأسواق ومحاولتها جذب المستهلكين من جديد، يخشى العلماء من موجة جديدة للفيروس أو حتى نشوء أخرى. 

ويرى علماء، بحسب "سي أن أن"، أن أهم وسيلة للوقاية من الوباء التالي، ليست فقط محاولة تقليل جذب الناس إلى هذه الأسواق، وإنما إلغاؤها تماما، وأيضا إنهاء الاتجار غير المشروع بالحيوانات البرية. 

لكن كبير الباحثين في المعهد البيئي لأبحاث المستقبل، دوان بيغز، يستبعد أن تنجح محاولات إغلاق جميع الأسواق الرطبة حول العالم، مطالبا في الوقت ذاته بتشديد الرقابة العلمية لتطورات هذه الأسواق، ومحاولة تغيير القيم الثقافية لدى الشعوب التي تنجذب إلى هذا النوع من تجارة الحيوانات البرية. 

ووفقا لتقرير للحكومة الصينية لعام 2017، فقد بلغت قيمة تجارة الحيوانات البرية في البلاد أكثر من 73 مليار دولار، وهو ما يدر على بكين أرباحا طائلة.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.