يتساءل الناس عن شكل العالم بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، والتي لا يعلم أحد حتى الآن موعده.
بالنسبة للمؤرخ فرانك سنودن، من جامعة ييل الأميركية، فإن الأوبئة بشكل عام، قد شكلت التطور الاجتماعي للبشرية، بما لا يختلف عن الحروب والثورات، والأزمات الاقتصادية، بحسب تقرير لموقع "Nature".
وقد جمع سنودن أدلة عديدة عن تفشي الأوبئة خلال الألفي عام الماضية، وما تبعها من عنف، وهستيريا جماعية، وتدين، وعواقبها السياسية والاجتماعية والثقافية.
فمثلا، عندما ضربت الكوليرا باريس عام 1832، وتوفي نحو 19 ألف فرنسي، انتشرت نظرية مؤامرة مفادها أن الحكومة المكروهة شعبيا تحت قيادة الملك لويس فيليب، قد سممت الآبار بالزرنيخ.
استطاعت الشرطة والجيش الفرنسي بالكاد، احتواء العنف الشعبي الذي اندلع عقب انتشار هذه النظرية، وقد غذت هذا العنف الذاكرة الجمعية للطبقة الفقيرة.
ويرى سنودن أن هذه الواقعة تفسر أكبر حادثتي قمع عنيف خلال القرن التاسع عشر في العاصمة الفرنسية باريس، كانت الأولى عندما تم سحق ثورة 1848، فيما الثانية هي القضاء على كومونة باريس، تلك الحكومة الثورية التي حكمت المدينة لفترة وجيزة في 1871.
ويرى سنودن أن التعاضد بين الحروب والأوبئة قد شكلا التاريخ، فمثلا توقفت توسعات نابليون بونابرت في القرن التاسع عشر صوب المحيط الأطلسي، بسبب الحمى الصفراء التي التقطها جيشه في مستعمرة فرنسا الكاريبية سانت دومينغو (هايتي الآن).
كما أحبطت طموحات بونابرت في التوسع شرقا بسبب أوبئة الزحار والتيفوس، حيث ضرب وباء التيفوس أو كما يعرف بـ"الحمى النمشية"، الجيش الفرنسي خلال انسحابه من موسكو في عام 1812.
كما أشار تقرير Nature إلى الوباء الشهير الذي غفل عنه سنودن في كتابه "الأوبئة والمجتمع: من الموت الأسود إلى الوقت الحاضر"، وهي الإنفلونزا الإسبانية التي تخطى عدد ضحاياها قتلى الحرب العالمية الأولى، فقد تسبب هذا الوباء في مقتل أكثر من ٥٠ مليون شخص.
وعلاوة على ذلك، فقد تم اكتشاف روابط محتملة بين وباء الإنفلونزا الإسبانية، ووباء الإيدز في جنوب إفريقيا، والذي يغطيه كتاب سنودن.
وكان وباء الإنفلونزا الإسبانية قد انتشر في جنوب أفريقيا في عام 1918، بعدما عاد جنود سود من معارك على الجبهة الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى، حيث التقطوا المرض خلال رحلة الرجوع، وكانوا سببا في نشره في جنوب أفريقيا.
وقد استغل البيض في جنوب أفريقيا انتشار المرض لتقنين سياسات التمييز والفصل العنصري، حيث تم تقييد مساحة الأراضي الممنوحة للسود، وقد أدى ذلك إلى نمو نظام العمالة الذي قسم العائلات السوداء هناك.
وقد أدت هذه الأحداث إلى انتشار وباء الأيدز عندما وصل إلى جنوب أفريقيا، فعندما يكبر الشباب بعيدا عن عائلاتهم بسبب نظام العمالة، تتغير مفاهيم الذكورة والعنف، مما أدى إلى ارتفاع حالات الاغتصاب والسلوكيات الجنسية الخطرة، بحسب كتاب سنودن.