زاد الاهتمام في الفترة الأخيرة بلقاح ضد السل بعد معلومات عن إمكانية استخدامه ضد مرض كوفيد-19
زاد الاهتمام في الفترة الأخيرة بلقاح ضد السل بعد معلومات عن إمكانية استخدامه ضد مرض كوفيد-19

يحاول باحثون في نيويورك معرفة مدى فعالية عقار هيدروكسي كلوروكوين (hydroxychloroquine) المستخدم للوقاية والعلاج من الملاريا والذي يروج له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كعلاج محتمل ضد فيروس كورونا المستجد "سارس-كوف-2".

ومن بين أكثر من 12 دراسة تجرى حاليا حول العقار في الولايات المتحدة بعد أن سمحت بذلك وزارة الصحة، أطلق مركز "لانغوني" الطبي بجامعة نيويورك في 25 مارس الماضي واحدة من أكبر هذه الدراسات على عينة من المرضى.

والتجربة "العشوائية" الممولة من حكومة الولاية مصممة لتحديد ما إذا كان هيدروكسي كلوروكين يساعد في الوقاية من المرض، ومن المقرر فحص نحو 2000 شخص بالغ كانوا على اتصال وثيق بمرضى فيروس كورونا المستجد، لكنهم لم يظهروا أي أعراض، والهدف يكمن بمعرفة ما إذا كان بإمكان الدواء أن يقلل من فرص إصابتهم بالعدوى.

الدكتورة آنا بيرشتين، الأستاذ المساعد في المركز والباحثة الرئيسية المشاركة في الدراسة قالت إن الفريق يعمل بسرعة للتوصل إلى نتائج، وتوقعت ظهور هذه النتائج في غضون شهرين.

ولفتت حسب تقرير لشبكة "سي أن بي سي" إلى أن كتابة الإجراءات والبروتوكولات والحصول على موافقة مجلس المراجعة المؤسسي (مجلس أخلاقيات البحث العلمي) عادة ما يستغرق شهورا، لكنهم فعلوا ذلك في أسابيع فقط.

وقالت الطبيبة إن الدراسة "مركزة للغاية"، وهي تستهدف مدى إمكانية استخدام الدواء لما يسمى "العلاج الوقائي قبل التعرض للمرض" (Pre-exposure Prophylaxis).

وهذه "الفكرة ليست جديدة" بحسب الطبيبة فالأدوية المضادة للفيروسات تعمل على سبيل المثال بشكل جيد في علاج فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وهو فيروس كان يعتقد في السابق أنه بمثابة حكم بالإعدام، لكن الآن إذا تم وخز عامل طبي بإبرة من شخص مصاب بهذا الفيروس، فسيتم إعطاؤه العقاقير المضادة له وإذا تم ذلك بعد فترة وجيزة من التعرض للفيروس، فغالبا تمنع الشخص من الإصابة بالمرض.

دراسة رصدية 

وتجري وزارة الصحة في ولاية نيويورك بالشراكة مع جامعة ألباني، دراسة رصدية يأمل الباحثون أن تمكن من معرفة فعالية الدواء المحتملة وتوقع الباحثون الحصول على النتائج في غضون أسابيع، ربما قبل مطلع شهر مايو.

وسيفحص الباحثون السجلات الطبية لمرضى كوفيد-19 الذين خرجوا من المستشفى أو توفوا لمعرفة عدد المرات التي وصف الدواء المشار إليه وما إذا كان يستخدم مع أدوية أخرى.

ديفيد هولتغريف، عميد كلية الصحة العامة بجامعة ألباني قال إن الباحثين سيكونون قادرين على تتبع كيفية وصف الأطباء للدواء ومراقبة ما إذا كان العقار يقصر مدة الإقامة في المستشفى، ويساعد على تجنب دخول العناية المركزة، أو الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي وتقليل معدلات الوفيات.

ولا تعتبر الدراسات "الرصدية" حاسمة، مثل التجارب العشوائية لأن الأطباء يمكنهم وصف مجموعة متنوعة من الأدوية الأخرى لعلاج العدوى، ومع ذلك، يمكن أن تؤدي إلى نتائج أسرع وتساعد في عملية الموافقة على بعض العلاجات.

وتزود حكومة نيويورك عشرات المستشفيات في جميع أنحاء الولاية بجرعات من الدواء يمكن للأطباء استخدامها في علاج المرضى، مقابل أن تزود هذه المستشفيات الولاية بالسجلات الطبية للمرضى، ثم يقوم الباحثون في ألباني بتحليلها.

ويعتبر الوقت عاملا مهما في الوقت الحالي لاختبار العقار بالنظر إلى أن الفيروس أصاب أكثر من 620 ألف شخص في الولايات المتحدة وقتل حوالي 27 ألفا حتى يوم الأربعاء، ما أدى إلى إرهاق المستشفيات الأميركية وتجاوز بعضها طاقتها القصوى.

ويحذر خبراء الصحة، ومن بينهم مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي، من التسليم بأن العقار قادر على التخلص من المرض، ودعا إلى مزيد من الدراسات.

وأظهرت دراسة أجريت على 150 مريضا في الصين، أن العقار لا يبدو أنه يساعد في علاج الفيروس، لكن فقط ساعد في تخفيف بعض الأعراض السريرية.

الوكالة الفرنسية المعنية بسلامة الأدوية كانت قد نشرت أيضا بيانات تشير إلى أن العقار يبدو أن له آثارا جانبية خطيرة على القلب عندما يستخدم من قبل مرضى مصابين بكوفيد-19 وأن تناوله يجب أن يكون تحت إشراف طبي.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.