يقول أحمد أبو العز من نيوجرسي الذي فقد زوجته بكورونا إنه لا يتصور أن رفيقة دربة وأم أطفاله ستكون جثة محروقة
يقول أحمد أبو العز من نيوجرسي الذي فقد زوجته بكورونا إنه لا يتصور أن رفيقة دربة وأم أطفاله ستكون جثة محروقة | Source: MBN
رابح فيلالي- واشنطن

لا يتسع الوقت سوى لكلمات قصيرة وسريعة في حديث هاتفي مع عوض السيد مدير مؤسسة الجنائز العالمية ومقرها في بروكلين بنيويورك، في ظل انشغاله وعلى مدار الساعة لأجل تأمين دفن كريم للموتى من المسلمين جراء فيروس كورونا.

كثير من الأسئلة كنت أريد من الرجل أن يجبني عنها ومنها خاصة تلك المتعلقة بالحديث الدائر بين أوساط عدة هنا بواشنطن والتي يقول أصحابها إنه يتم التخطيط للتخلص من جثت المتوفين بالفيروس عن طريق حرقها حماية للأصحاء وحتى لايسمح للأهالي بالاقتراب منها نظرا للخوف من أخطار العدوى.

عوض هذا المهاجر القادم إلى أكبر مدن الدنيا من وطنه الأصلي السودان قبل أن يقوم بتأسيس هذه الخدمة التي يقول عنها إنه يريد لموتى المسلمين أن يتم التعامل معهم وفقا للأصول الإسلامية، لذلك فهو لا يكتفي بنفي ورفض فكرة الحرق فقط، بل يقول إنه هنا ليعمل كل الذي يستطيع لأجل أن تتم عملية الدفن وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

لكن هل ذلك متاح من الناحية العملية في ظل المأساة القائمة؟

ذلك هو السؤال الذي بات على الجميع التعامل معه في هذه المدينة الإمبراطورية، بسبب تجاوز عدد الوفيات فيها التسعة آلاف حالة وفاة حتى الآن، وهو الرقم الذي يشكل ثلاثة أضعاف مما سجل من ضحايا في هجمات الحادي عشر سبتمبر عام 2001 وهو العدد الأكبر للوفيات في تاريخ المدينة.

كورونا أسقط كل أرقام التاريخ السابقة، وجعلها مجرد ذكرى في حياة سكان نيويورك، في جهة أخرى من المدينة أطلق مسلمون ويهود ومسيحيون حملة على شبكة الإنترنت بهدف جمع أكبر عدد من التوقيعات من نظرائهم الأميركيين لمنع مبادرة حرق الجثث، وهي مسالة من الواضح أنها وجدت ترحيبا واسعا بين الأميركيين من مخلف الأصول.

يقول أحمد أبو العز، أحد سكان نيوجرسي الذي فقد زوجته بسبب هذا الوباء، إنه لا يتصور أن رفيقة دربة وأم أطفاله وشريكة عمره ستكون جثة محروقة بين آلاف الجثث الأخرى في المدينة كما لا يتصور أنها ستدفن من غير أن يكون لها قبر يزار من قبله ومن قبل أبنائهما في المستقبل القريب أو البعيد.

أفتح خطوطي الهاتفية وأحاول التواصل مع قيادات دينية في كامل ربوع أميركا في محاولة لفهم المواقف وجميعا، والمساعدة ربما في إيضاح الفكرة للكثيرين حولنا.

أندرا بايلوس رئيسة مجلس الحوار اليهودي الإسلامي الأميركي واحدة من الناشطين الكبار في مساعي حوار الأديان بمنطقة واشنطن الكبرى تقول إنها على يقين بأن ديانتها اليهودية والإسلام يملكان المرونة الكافية للتعامل مع هذا المتغير الكبير في حياة الأميركيين، وأن العارفين سيجدون الفتوى المناسبة لحل الإشكالية القائمة في نيويورك وبقية المدن الأميركية.

تقول أندرا إنها وشركاؤها من القيادات اليهودية يتصورون إن الحل يكمن في اللجوء إلى مقابر جماعية مؤقتة، يدفن فيها الموتى الآن على أن تحفظ أسماء جميع المدفونين فيها، ثم سيكون من حق كل عائلة أن تقرر لاحقا كيف يتم التعامل مع جثة فقيدها.

لم يكن الموقف بعيدا عن هذا وأنا اتحاور إلى الشيخ طالب السنجري مرشد حركة الإرشاد الإسلامية بالولايات المتحدة وهو يقول إن كورونا حالة طارئة ووضع غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، والمسلمون كغيرهم من مكونات المجتمع الأميركي مطالبون بإيجاد اجتهادات جديدة تتناسب مع الحالة القائمة بدلا من الاستناد على كتب الفقه التاريخية لحل المعضلة القائمة.

يقول عوض السيد إنه ومن خلال مؤسسته يحاول التوفيق بين الإجراءات التي تفرضها الحكومة المحلية في الوقت الحاضر، لذلك يعمل حاليا على إخضاع جثت المسلمين للتيمم بدلا من الغسل والنقل المباشر من المشفى إلى المقابر بالاتفاق مع العائلات، إضافة الى ترتيب مسبق يسمح لعدد محدود منهم بحضور مراسيم الدفن وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وفي المقابر التي حددتها سلطات ولايتي نيوجرسي ونيويورك المتجاورتين.

هذا الأمر كان متاحا بصورة أفضل قبل قرار عاجل اتخذته سلطات نيويورك بالمسارعة في فتح مدافن في إحدى جزر الولاية، وفي قبور جماعية لعشرات الجثث في خطوة لمعالجة أزمة الكثافة القائمة حاليا داخل المستشفيات، وأقسام حفظ الجثث الممتلئة عن آخرها، وحتى عمليات الاستئجار لشاحنات التبريد باتت هي أيضا عاجزة على تغطية حجم الطلب في مستشفيات نيويورك.

وجع آخر ظل يسكن قلبي طيلة الليلة الموالية وأنا أسمع الشيخ طالب السنجري يقول إنه يفكر أكثر في تلك الحالات التي يعجز فيها الأهل عن دفع تكاليف الدفن وشراء قبور لأقربائهم المتوفين، حينها ربما الحرق سيكون رحمة بهؤلاء، لأن إكرام الميت بدفنه لم يعد متاحا، ولا ممكنا بالنسبة لهم كما نتمناه في الظروف العادية، فكيف هو الحال في زمن كورونا.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.