إحدى مناطق نيويورك التي تبدو مهجورة بسبب إجراءات الإغلاق. وحذر خبير أميركي من أن عدد الوفيات جراء كوفيد-19 قد يصل إلى 200 ألف في الولايات المتحدة
الشوارع خالية في مدينة نيويورك الأميركية

"هل نعيش حلما؟"، سؤال قد يتردد على مسامعنا عند الحديث مع الأصدقاء وأفراد العائلة، فخلال أيام تبدلت الأحوال، وأصبح الناس حبيسي منازلهم في مختلف أنحاء العالم.

وقد اعترى القلق الناس في مختلف البلدان بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، فمثلا أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة الصحة النفسية في بريطانيا، أن أكثر من ستة أشخاص بين كل 10 بالغين في بريطانيا يعانون من القلق، أي 62 بالمئة من تعداد البالغين هناك.

وأوضحت الدراسة أن 22 بالمئة يشعرون بالهلع، و30 بالمئة يشعرون بالخوف، فيما يشعر 18 بالمئة باليأس.

"عندما نبدأ الشعور بالقلق، فإن أدمغتنا تبحث بشكل محموم عن طريقة لإدارة الأمر كما فعلنا من قبل"، تقول المعالجة النفسية في مجلس الاستشارة ببريطانيا، بام كاسترز.

وأردفت كاسترز قائلة لموقع "هاف بوست"، إن "دماغك يخبرك: لقد مررنا بهذه التجربة من قبل، كيف يمكن التعامل مع الأمر؟ لكن الواقع يعكس أننا لم نواجه مثل هذا من قبل".

وأضافت كاسترز أننا في مرحلة مجهولة، وعندما نشعر بالتوتر إزاء هذا، يتولد هنا الشعور السريالي، والشعور بأن هذه الحالة مجرد حلم.

تقول كاسترز: "نحن عالقون في منطقة محرمة بشكل مستمر، وهذا يبدو غير واقعي لأننا لم نختبره من قبل، أو أي شيء من هذا القبيل، ففي كل مرة نشاهد التلفاز، يبدأ جهاز الإنذار الداخلي لدينا ـاللوزة الدماغية- بتحفيز حالة الإنذار، وتكون الخطوة التالية هي عملية 'الهروب أو القتال' كمحاولة للتخفيف من هذا الشعور، إلا أنه من الصعب للغاية صرف هذا الشعور في هذا الوقت".

 

الانفصال عن الواقع

أما منظمة الصحة الخيرية "مايند"، فتقول إن الشعور بأن لا شيء حقيقي، وأننا في حلم أو فيلم سينمائي، يعتبر إحدى علامات التفكك أو الانفصال (dissociation)، وهذا شعور قد يمر على الناس في بعض مراحل حياتهم.

والانفصال هو أحد أساليب العقل في التأقلم مع التوتر الزائد عن الحد، فمثلا عندما يمر شخص بلحظات صادمة، فإنه يبدأ بالانفصال عن الواقع، أي الشعور بعدم الاتصال بنفسه وبالعالم من حوله. وربما يشعر الشخص بالانفصال عن جسده، أو كما أن العالم غير حقيقي، بحسب مؤسسة "مايند".

وقد يستمر تأثير الانفصال لفترة قصيرة نسبيا، كساعات أو أيام، أو أطول لأسابيع وشهور، وربما يتطور الأمر لأصحاب الانفصال الطويل إلى اضطراب فصامي، حيث يكون الانفصال وسيلتهم الأولى للتعامل مع التجارب المجهدة.

ويشعر الناس حاليا بنوع من الصدمة بسبب الفيروس، حيث فقد البعض عمله أو دخله بسببه، أو تدهورت علاقته العاطفية، مما دفع البعض للسؤال حول الواقع الذي نعيشه.

 

ما الحل؟

وهنا يبرز سؤال: هل يجب أن نتعايش مع هذا الشعور أم نقاومه؟، وفي هذا تجاوب كاسترز بأنه يجب عدم الإبقاء عليه، لأن القلق من الممكن أن يستمر معنا إذا سمحنا له، وقد ينتهي الأمر بنا في مكان قاتم.

ويحاول العقل التأقلم بشدة مع الوضع الحالي، لكن إذا غمر الشعور بالقلق الشخص، وشعر بأنه يعيش في عالم آخر حيث انفصل تماما عن العالم الحقيقي، فقد حان الوقت لمعالجة الأمر.

ويمكن التخفيف من الأمر عن طريق اتباع تكتيكات نفسية أثناء وجود الشخص بالمنزل، وأولها هو استدعاء العقلانية، تقول كاسترز "أخبر نفسك: أنا في مكان آمن بين أربعة جدران، وأنا في حال جيدة، وسأقوم بإعادة بناء حياتي بطريقة تجعلني أستمر في حياة طبيعية قدر الإمكان".

كما يمكن اتباع بعض الممارسات، كممارسة اليوغا أسبوعيا، والانضمام لفصول اليوغا عبر الإنترنت، أو مقابلة أصدقائك عبر الإنترنت. مما يحافظ على نوع من الحياة الطبيعية المعتادة.

كما تنصح كاسترز بالاشتراك في بعض الأعمال الخيرية عن بعض أو عبر الإنترنت، بالإضافة إلى التواصل بشكل منتظم، خاصة إذا كان الشخص يعيش وحده.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.