تستعد دول للبدء خلال أسابيع بتخفيف قيود العزل التي فُرضت لاحتواء جائحة كوفيد-19
تستعد دول للبدء خلال أسابيع بتخفيف قيود العزل التي فُرضت لاحتواء جائحة كوفيد-19

تستعد دول للبدء خلال أسابيع بتخفيف قيود العزل التي فُرضت لاحتواء جائحة كوفيد-19 لكن الاختصاصيين يرون أن الأمر يجب أن يجري بتأن وبصورة منهجية خشية التعرض لموجة ثانية من الوباء تضطرها للعودة إلى الإجراءات التي كلفتها كثيرا اقتصاديا واجتماعيا.

وتقول اختصاصية الأوبئة الفرنسية دومينيك كوستاليولا لوكالة فرانس برس: "عندما اتخذ قرار (العزل) كان سلاحنا الوحيد أملا في البدء بالسيطرة على الوباء... ولا سيما من خلال تقليل عدد المرضى الذين يتم إدخالهم إلى المستشفيات ومن يحتاجون للعناية المركزة".

لكنها تضيف أن هذا الإجراء المتخذ "على نحو طارئ ... لا يمكن تحمله على المدى الطويل سواء بالنسبة للأفراد أو للبلد ككل".

وتقول من جانبها البروفسورة ليندا بولد، أخصائية الصحة العامة في جامعة إدنبرة باسكتلندا، إن "الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية للحجر تتراكم، وسوف تصل إلى نقطة تحول تصبح عندها تكاليفها أكبر من فوائدها".

ويتفق معظم الخبراء على أن العزل والتباعد الاجتماعي أنقذ آلاف الأرواح، لكنه أدى في الجانب السلبي إلى ركود اقتصادي عالمي تاريخي، دفع كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي إلى إطلاق تسمية "العزل الكبير" على هذه الأزمة تيمنا بمصطلح "الكساد الكبير" عام 1929.

وهناك أيضا مخاطر اجتماعية يخشاها الخبراء وتتمثل في زيادة انعدام المساواة والعنف المنزلي وتنامي القلق وزيادة استهلاك الكحول وتفاقم المشاكل الصحية الأخرى غير المرتبطة بكوفيد-19.

وبتشجيع من علامات تباطؤ الوباء، ومنها انخفاض عدد المرضى في المستشفيات والوفيات، تنظر العديد من البلدان في البدء قريبا بتخفيض تدابير الاحتواء من خلال إعادة فتح المدارس والمحلات التجارية تدريجيا والسماح للناس بالعودة إلى العمل.

حبل مشدود 

في أوروبا، تعتزم ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا والدنمارك وإيطاليا وإسبانيا، من بين دول أخرى، البدء بتخفيف القيود في منتصف مايو أو تفكر بذلك. 

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقال إن الوقت قد حان "لإعادة تشغيل" عجلة الاقتصاد الأميركي.

وأيا كان البلد، سيكون المخرج أشبه بالسير على حبل مشدود منه على طريق سريع بلا عراقيل. ولكن ما هي العلامة التي تتيح تحقيق التوازن؟ إنه عدد الأشخاص الذين يمكن لمصاب بالمرض أن ينقل إليهم العدوى في المتوسط أو ما يُصطلح على تسميته "معدل التكاثر الأساسي" للمرض.

قبل تدابير الاحتواء، أوضح رئيس اللجنة العلمية التي تقدم المشورة للسلطات الفرنسية جان فرانسوا دلفريسي أن هذا المعدل "كان 3.4 أو 3.5" أشخاص.

وتؤكد فرنسا وكذلك ألمانيا أن تدابير العزل خفضت هذا الرقم إلى أقل من 1، وهو المستوى الذي يتوافق مع السيطرة على الوباء، لكن تخفيف القيود سيجعله يرتفع تلقائيا لأن الاحتواء يمنع الفيروس من الانتقال، وبالتالي فإن هامش المناورة ضيق للغاية.

وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال هذا الأسبوع إنه عند معدل "1.1 يمكننا بلوغ حدود نظامنا الصحي من حيث الأسرَّة في وحدات العناية المركزة بحلول أكتوبر... أما عند معدل 1.2 سنستنفد الطاقة القصوى لنظامنا الصحي في يوليو. ومع معدل 1.3 سنصل بالفعل إلى ذلك في يونيو".

ويقول اختصاصي الأوبئة الفرنسي لوران توبيانا لوكالة فرانس برس إن "جوهر المشكلة مع تدابير الاحتواء هي أن الخروج يعيدنا تلقائيا إلى نقطة البداية: الوضع قبل العزل".

وتوبيانا يغرد خارج سرب المجتمع العلمي إذ عارض "منذ البداية" فكرة فرض حجر عام وقال إن عواقبه السلبية "لا تقاس" مقارنة مع آثار الوباء نفسه.

وبسبب هامش المناورة الضيق، ستخفف قيود الاحتواء تدريجيا بصورة وئيدة. ويقول البروفسور دلفريسي: "لن ننتقل من الأسود إلى الأبيض، ولكن من الأسود إلى الرمادي الداكن".

تحذير من تكرار تجربة سنغافورة 

وقبل كل شيء، يجب أن يكون هذا مصحوبا باستراتيجية دقيقة للغاية أعطت نتائج جيدة في كوريا الجنوبية، وهي الدولة التي يتم الاستشهاد بها كثيرا إذ قامت بإجراء اختبارات شاملة للتعرف على من يحملون الفيروس، وفرضت الحجر الصحي على الحالات الإيجابية، وتتبعت الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم لإخضاعهم بدورهم لاختبار الكشف عن الفيروس.

ولكن يستحيل تطبيق هذه الاستراتيجية، تقول دومينيك كوستاليولا، "بدون توافر الوسائل الضرورية".

وهذه الوسائل هي توفر عدد كاف من الاختبارات والخدمات اللوجستية لضمان تعقب المرضى المحتملين مع توفر التطبيقات الرقمية، وهذا ليس كل شيء.

يقول البروفسور ديلفريسي إن كوريا الجنوبية لديها "قوة عظيمة، لواء يضم 20 ألف شخص" لتنفيذ إجراءات تعقب الاتصالات، محذرا من "وهم" الاتكال على كل ما هو رقمي.

من جهة ثانية، فإن الاستراتيجيات الأخف من العزل الكامل، حتى عندما تنجح، ليست مضمونة على المدى الطويل، وهو ما تشير إليه تجربة سنغافورة.

فبعد السيطرة على الوباء في البدء باعتماد سياسة مشابهة لتلك التي اتبعتها كوريا الجنوبية، تحارب سنغافورة الآن موجة ثانية من الإصابات. لقد أجبر هذا الحكومة على اللجوء هذه المرة لاتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك إغلاق معظم أماكن العمل.

لقد كتب البروفسور فنسنت راجكومار من شبكة عيادات مايو كلينك الأميركية على تويتر: "يجب أن تكون سنغافورة تحذيرا لنا جميعا".

ويقول البروفسور دلفريسي إنه، بدلا من اللجوء إلى حل واحد لا لبس فيه، "ربما ينبغي اللجوء ولفترة طويلة لتدابير التخفيف ثم التشديد، ثم الانفتاح والعودة إلى التشديد".

هذا أيضا ما خلصت إليه دراسة أميركية نُشرت هذا الأسبوع في مجلة "ساينس". وتقول الدراسة إنه يفترض على الأرجح التبديل بين فترات الحجر والتخفيف حتى عام 2022، أي الوقت اللازم لاكتشاف علاجات فعالة وربما لقاح ضد الفيروس المستجد.

اللقاحات المضادة لكورونا حالت دون حدوث ملايين الوفيات حول العالم
تم تحديث لقاحات كوفيد-19 من شركة فايزر لتوفير الحماية ضد الطفرات الجديدة للفيروس

ستتوفر قريبا اللقاحات المحدَّثة ضد كوفيد-19 في الصيدليات، بينما تشهد الولايات المتحدة وعدة دول أخرى زيادة في حالات الإصابة. 

في غضون ذلك يتساءل كثيرون "هل من الأفضل الحصول على الجرعة الجديدة على الفور، أم ينبغي الانتظار؟

ردا على ذلك، يقول كارلوس دل ريو، أستاذ الطب المتميز في جامعة إموري وخبير الأمراض المعدية لشبكة "سي إن إن" إنه "لا تتوفر هناك إجابة بسيطة لهذا السؤال".

وتم تحديث لقاحات كوفيد-19 من شركة فايزر لتوفير الحماية ضد الطفرات الجديدة للفيروس.

وأضاف دل ريو "نحن في وسط موجة جديدة، العديد من الناس، بمن فيهم أنا شخصيًا، قد تعرضوا مؤخرًا للإصابة بكوفيد" مشيرا إلى أن إصابته جعلته يقرر تأجيل الحصول على الجرعة الجديدة.

وقال: "إذا كنت قد أصبت بكوفيد في الأشهر الثلاثة الماضية، فعليك أن تنتظر.. ليست هناك حاجة للحصول على لقاح، لأنك بطريقة ما، قد 'تلقيت' اللقاح من السلالة الحالية".

وإذا لم يتعرض  الشخص للإصابة بكوفيد مؤخرًا، وخاصة إذا كان سنه 65 عامًا أو أكثر فيوصي هذا المختص بالحصول على اللقاح "في أقرب وقت ممكن"، على حد تعبيره.

وينطبق الشيء ذاته على الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة تزيد من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة.

من هم الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الاستشفاء أو الوفاة؟

يقول الدكتور بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا وعضو في لجنة مستشاري اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في حديثه للشبكة الأميركية إن الأشخاص الذين يصابون بكوفيد بشكل شديد يستدعي دخول المستشفى أو قد يهدد حياتهم ينتمون أساساً إلى أربع فئات.

الفئة الأولى تتكون من الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، والثانية، الأشخاص الذين لديهم حالات طبية تعرضهم لخطر عالٍ، مثل السمنة والسكري وأمراض الكبد والرئة أو القلب المزمنة. أما الثالثة في فئة النساء الحوامل، والرابعة مكونة من المسنين، أو الأشخاص فوق 75 عاما.

في المقابل يقول أوفيت وخبراء آخرون إن البالغين الأصغر سنًا والأصحاء يمكنهم الانتظار.

وتابع "الانتظار حتى الخريف يضمن حماية أفضل خلال موسم الفيروسات التنفسية، الذي يصل ذروته عادة في ديسمبر ويناير".

وقالت الدكتورة ميغان راني، عميدة كلية الصحة العامة في جامعة ييل لـ "سي إن إن" "إذا لم تكن قد تعرضت للإصابة مؤخرًا، فإن الجرعات المنشطة الجديدة مهمة للغاية، الطفرات الحالية لكوفيد تختلف بشكل كبير عن طفرات الشتاء الماضي، وهذه الجرعات المنشطة لهذا العام تتوافق مع الطفرات الجديدة".

وتوافق راني على أن كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أساسية والذين لم يتعرضوا مؤخرًا للإصابة يجب أن يحصلوا على لقاحهم الآن، لكنها تنوي تأجيل لقاحها قليلاً.

"أنا أخطط للانتظار حتى نفس الوقت الذي سأحصل فيه على لقاح الإنفلونزا، في أكتوبر"، كما قالت.

وأشارت راني إلى أن اللقاحات المحدثة التي تعتمد على تقنية "mRNA" من فايزر وموديرنا ستكون متاحة أولاً، مع وصول لقاح نوفافاكس في غضون بضعة أسابيع.

وأظهرت الأبحاث الجديدة أن الأشخاص غير الملقحين ضد كوفيد-19 قد يكونون في خطر أعلى من الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب واضطرابات القلق.

وأضافت راني "إذا كنت مترددًا بشأن mRNA لسبب ما، على الرغم من أن هذه اللقاحات آمنة جدًا، فإن الجرعة المعززة من نوفافاكس، التي تعتمد على البروتين، ستكون متاحة أيضًا قريبًا".

بيتر شين-هونغ، خبير الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، يقول من جانبه إنه سينتظر أيضًا لبضعة أسابيع.

"لن أهرع للحصول على اللقاح. أنا أكثر قلقًا بشأن الشتاء من الصيف" وفق قوله.

والخميس، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، على طرح اللقاحات الجديدة من موديرنا وفايزر (بالتعاون مع بيونتك)، والتي تستهدف متحور KP.2 من سلالة أوميكرون.

وستكون هذه الجرعات متاحة للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 6 أشهر، في وقت يشهد ارتفاعًا مستمرًا في حالات دخول المستشفيات بسبب كوفيد-19، وفقًا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).