فريق طبي فرنسي ينقلون مريضا في هليكوبتر لعلاجه في ألمانيا- 30 مارس 2020
تبدو الأمور متجهة نحو الاستقرار في إيطاليا

قال مسؤولون صحيون أوربيون إن القارة يبدو أنها "اجتازت ذروة وباء كورونا" فيما تبدو المستشفيات أقل اكتظاظا في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، الدول الأوروبية الأكثر تضررا من الوباء في القارة.

وقال بيير لويجي لوبالكو، عالم الأوبئة في جامعة بيزا، الذي يقدم المشورة لمنطقة بوليا الإيطالية بشأن الاستجابة للوباء، "لقد وصلت الذروة بالفعل، ونحن نتعافى بالمعنى الدقيق للكلمة، من وجهة نظر الرعاية الصحية، أصبح الأمر أسهل بكثير الآن".

وفي الدانمرك أعادت الحكومة فتح المدارس الابتدائية هذا الأسبوع، وستفعل ألمانيا ذلك في أوائل مايو، وستسمح النمسا لمحلات البستنة ببيع الزهور مرة أخرى، ويمكن للإيطاليين العودة إلى متاجر الكتب.

ويعد المسؤولون الإسبانيون بـ "مرحلة خفض التصعيد" ويريدون استئناف مشاريع البناء وفتح بعض المصانع مع التباعد الاجتماعي المناسب.

مع هذا يقول هانز كلوج مدير منظمة الصحة العالمية فى أوربا إن "سحابة العاصفة " من الوباء "مازالت تخيم بشدة على المنطقة الأوروبية".

ولا تزال القارة تشهد أعدادا كبيرة من الوفيات، وتستأثر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بنحو ثلثي الوفيات المسجلة في جميع أنحاء العالم والبالغ عددها أكثر من 150 ألف حالة.

ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذا الأسبوع الخطوات الأولية الأولى نحو إعادة الحياة الطبيعية بأنها "جليد رقيق"، مضيفة أن الوضع يتطلب الحذر وليس الثقة الزائدة.

وفى الأسابيع الأخيرة قالت السلطات الصحية الألمانية إن معدل الإصابات الجديدة قد انخفض.

وقالت ميركل في مؤتمر صحفي عندما أعلنت أن المتاجر الصغيرة ستفتح أبوابها بعد عطلة نهاية الأسبوع، "مع فتح المدارس أبوابها تدريجيا الشهر المقبل".

وقالت ميركل لرويترز "هناك ضوء في نهاية النفق، ولكننا الآن في مرحلة حساسة وخطيرة فى هذا الوباء".

وقالت نائبة الأمين العام لنقابة الأطباء في مدريد أنجيلا هيرنانديز "لا أعتقد أن النهاية قريبة جداً بالضرورة أو أننا في تراجع خطي مستمر".

مع هذا تبين الأرقام انخفاض عدد المرضى فى العناية المركزة في إيطاليا بنسبة 25 فى المائة مقارنة بالذروة التى كانت عليها منذ أسبوعين. وتقول المستشفيات إن "العبء قد خف".

ولا تزال إيطاليا تبلغ عن 600 حالة وفاة في اليوم بعد أن سجلت أكثر من 20 ألف وفاة بسبب المرض، وقد توفي أكثر من 100 طبيب في البلاد كما أن من المتوقع أن يتقلص اقتصاد البلاد بنسبة تسعة في المائة هذا العام.

وفي فرنسا، أعلنت السلطات بحذر عن بداية نهاية ذروة الإصابات، وقال جيروم سالومون نائب وزير الصحة الفرنسي هذا الأسبوع أنه لأول مرة منذ بدء الجائحة انخفض عدد المرضى الذين تم ادخالهم إلى المستشفيات الفرنسية.

وقال مارتن هيرش المسؤول في مجموعة مستشفيات أوربية عامة، إنه "في منطقة باريس، وهي الأكثر تضرراً من الفيروس التاجي، استقر العدد الإجمالي للحالات للمرة الأولى منذ بدء الوباء".

وقال هيرش إننا "الآن في ما نسميه "الهضبة العالية"، وهو ما يعني تحقيق استقرار على مستوى عال جدا من الإصابات، مع زيادة عدد الحالات فى وحدات الشيخوخة".

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.