مرض غريب يغزو دم مرضى كوفيد-19 قد يؤدي إلى الوفاة أو مضاعفات خطيرة
مرض غريب يغزو دم مرضى كوفيد-19 قد يؤدي إلى الوفاة أو مضاعفات خطيرة

استيقظ الطبيب كريغ كوبرسميث كعادته في الصباح الباكر وأمسك بهاتفه ليراسل قادة فرق وحدات العناية المركزة، في عشرة مستشفيات تتبع جامعة إيموري في أتلانتا، كاتبا "صباح الخير يافريق كوفيد"، مستفسرا عن جديديهم، ككل يوم.

أجاب أحد الأطباء بأنه لاحظ أمرا غريبا يحدث لدم أحد مرضى فيروس كورونا المستجد، إذ يتخثر، ما يؤدي إلى حدوث جلطات دماغية، رغم إعطائه أدوية مميعة للدم. 

لكن طبيبا ثانيا رد بأنه رأى أمرا مماثلا. وتدخل طبيب ثالث، وسرعان ما كان كل الأطباء قد كتبوا في تطبيق الدردشة، أنهم لاحظوا الأمر الغريب نفسه. 

رد أحد الأطباء بأن أحد مرضاه يعاني من مشكلة غريبة في الدم. وعلى الرغم من وضعه على مضادات التخثر، كان المريض لا يزال يطور الجلطات. وسرعان ما أبلغ كل شخص في الدردشة النصية بحادث مشابه.

انتقل الطبيب كوبرسميث من التطبيق الضيق على مرضى عشرة مستشفيات، وطرح الأمر على المراكز الطبية الأخرى، ليجيبوا أيضا بأنهم لاحظوا الأمر نفسه، ليكتشف مفاجأة كبيرة، وهي أن المشكلة تحدث لما بين 20 إلى 40 في المئة من مرضى كوفيد-19. 

وأدى الأمر إلى جدل بين بعض الأطباء على تطبيقات التواصل، حول مقترح إعطاء أدوية مميعة للدم، على سبيل وقاية كل المصابين بفيروس كورونا المستجد، وتجنب حصول مضاعفات التخثر. 

ويوم الجمعة الماضي، وفي يومه الـ18 في العناية المركزة بسبب إصابته بفيروس كورونا المستجد، لجأ الأطباء إلى قطع إحدى ساقي الفنان نيك كورديرو (41 عاما) في مستشفى بلوس أنجليس بعد معاناته من تخثر الدم فيها. 

ومع أدوية تمييع الدم التي حصل عليها لعلاج مشكلة التخثر، تطور الأمر إلى نزيف داخلي في المعدة. 

وبعد أن كان الأطباء يعتقدون في وقت مبكر من ظهور فيروس كورونا المستجد، أنه يستهدف الرئتين بشكل أساسي، فإن الباحثين أصبحوا يرون أنه يهاجم أيضا الكلى والقلب الأمعاء والكبد والدماغ. 

ومع مرور الوقت، يفيد الأطباء، بشكل متزايد، بأنهم يرون تطورا في مضاعفات المرض بشكل مقلق لم يشاهدوه في الكتب العلمية ولم يتدربوا عليه. 

فعلى سبيل المثال، يلاحظون أن المرضى الذين يعانون من نقص شديد في الأكسجين، يجعلهم يقتربون من الموت، يتحدثون ويمسكون بهواتفهم، وعلى العكس، قد يرون مرضى آخرين يعانون بشكل طفيف من مرض كوفيد-19، سرعان ما تتدهور حالتهم ويموتون. 

ويشير أطباء إلى أن بعض المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة، وسمح لهم بالعودة إلى المنزل، تدهورت حالتهم بسرعة وماتوا في غضون دقائق. 

وأظهرت عمليا تشريح أن رئات بعض المصابين تمتلء بمئات من التخثرات أو الجلطات الصغيرة، وتحدث الأزمة عندما تنفصل جلطة أكبر حجما وتنتقل إلى المخ فتسبب سكتة دماغية، أو تقتحم القلب فتؤدي إلى نوبة قلبية. 

وقال الطبيب في جامعة بنسلفيانا، لويس كابلان، رئيس جمعية طب الرعاية الحرجة، إن "المشكلة التي نواجهها هي أنه بينما نفهم أن هناك مصابين بالفيروس يتعرضون لجلطة، فإننا لا نفهم حتى الآن سبب هذه الجلطة، لا نعرف، وبالتالي، نحن خائفون". 
 

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.