وباء كورونا فرض الكثير من التغييرات على طقوس توديع الأحباء بعد موتهم
وباء كورونا فرض الكثير من التغييرات على طقوس توديع الأحباء بعد موتهم

عندما خسر ميغيل موران معركته مع فيروس كورونا المستجد، توجه خمسة من أقاربه إلى مستشفى سانت جوزيف في لونغ أيلند في نيويورك، حيث كان يرقد، لكي يكونوا بجانبه رغم رحيله. 

وارتدى جميع الزائرين معدات الوقاية التي وفرها لهم المستشفى من بدلات بلاستيكية إلى أغطية للرأس وقفازات، وفق ما أوردته شبكة CNN.

وقضى كل واحد من هؤلاء دقائق معدودة إلى جانب الجثمان ودّعوا خلالها موران وهو مهاجر من السلفادور في الـ56 من عمره، كان يغسل الشاحنات وسيارات الإسعاف ليوفر لقمة العيش لأسرته.

ابنه دانييل، صلى على الجثمان وأمسك بيد والده المتوفى وقال باكيا "في يوم ما سننضم إليك في السماء".

وبعد 16 يوما، دفن الأب والابن معا. إذ توفي ميغيل بعد ثمانية أيام على صلاته عند سرير والده، إثر معاناته من فشل تنفسي حاد مرتبط بكورونا، وفق شهادة وفاته. 

وتبين أن زوجة موران الأب وابته اللتين زارتاه أيضا بعيد وفاته في المستشفى، أصيبتا بكورونا، كما تأكدت إصابة الشخصين الآخرين اللذين زارا الميت. 

مرض الأب موران بدأ عندما كان في العمل قبل أسبوع على وفاته، ثم عاد يوما إلى المنزل باكرا وهو مصاب بالحمى. وفيما لم يخضع لاختبار، كما نقلت CNN عن أسرته، إلا أن الطبيب الذي فحصه قال له إنه متأكد بنسبة مئة في المئة أنه يعاني من كوفيد-19.

وأكدت ابنته مرسيديس للشبكة الإخبارية أن والدها دخل في حجر صحي على الفور ولم يغادر غرفته، فيما اتبعت الأسرة جميع الإرشادات الطبية بخصوص التعامل مع مرضى كورونا. 

وقبل يومين على وفاته، قالت مرسيديس إن وضعه تدهور وازدادت حدة الحمى مع تعرق شديد، إلى جانب معاناته من صعوبة في التنفس والحركة. ومع ذلك عندما قدمت سيارة الإسعاف، توجه إليها من دون مساعدة.

وفي اليوم التالي أبلغ زوجته أنه سيموت، وأن الطبيب أبلغه بإنه لن ينتصر على المرض. 

خلال زيارة الوداع، قالت ميرسيديس إن المستشفى وفر معدات الحماية لهم، لكن اللباس لم يكن يغطي كل جسد أخيها لأنه كان يعاني من السمنة.

وبدأ دانييل يشعر بالمرض بعد يومين أو ثلاثة، ثم تأكدت إصابته بالتهاب رئوي وكذلك كورونا. لكن الشاب الذي كان في الـ23 من عمره، أكد لشقيقته أنه يريد التعافي في المنزل والموت قرب أسرته. 

في الـ24 من أبريل، تدهور وضعه هو الآخر، وقررت نقله في سيارة إلى المستشفى. لكنه كان يجد صعوبة في التنفس قبل الوصول إلى المركز الطبي القريب. 

وقالت أمه "كان يموت في السيارة".

توقفت السيارة عند محطة إطفاء في الطريق، وعندما وصلت سيارة إسعاف ونزل دانييل من السيارة، سقط أرضا على وجهه ولفظ أنفاسه في الموقع.

المستشفى الذي أكد وفاة دانييل، طلب من الأم والأخت إن كانتا ترغبان في قضاء دقائق أخيرة معه، فرفضت مرسيديس حرصا على سلامة والدتها البالغة 53 عاما، وفق ما قالت لـCNN.

وفي الثاني من مايو، دفن ميغيل ودانييل في قبر واحد في مقبرة في أميتيفيل بنيويورك.

مأساة هذه الأسرة، تسلط الضوء على التحديات التي فرضت على المجتمعات في زمن كورونا بما فيها معاناة المرضى في المستشفيات بعيدا عن مواساة ودعم الأسرة خصوصا خلال الأيام واللحظات الأخيرة لمن يهزمهم المرض، الشعور بالعجز لمد يد العون والفراق عن بعد. 

وتعتمد المستشفيات سياسات مختلفة للحد من انتشار الوباء. وفي نيويورك الذي تعد بؤرة كورونا في الولايات المتحدة، علقت السلطات الصحية الزيارات في المستشفيات باستثناء حالات نهاية الحياة الوشيكة والعمل والولادة والمرضى الأطفال.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.