دراسة جديدة عن أصل كورونا
دراسة جديدة عن أصل كورونا

توصل باحثون إلى نتائج جديدة مفادها أن الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 ربما تم تصميمه في المختبر، ما أثار جدلا في الأوساط العلمية بين مؤيد ومعارض لهذه النتائج، وسط خلافات لا تزال قائمة بين العلماء حول منشأ الفيروس الذي ظهر أول مرة في ووهان في الصين، عام 2019.

ويعتقد عدد كبير من العلماء والمسؤولين الصحيين في العالم أن منشأ كوفيد-19 هو الحيوانات البرية في سوق ووهان الذي وفر البيئة الخصبة لظهور الفيروس، لكن علماء يعترضون على هذه الفرضية ويشيرون إلى الكثير من البيانات المفقودة حول الفترة الأولى للوباء.

وكان فريق من العلماء جمعته منظمة الصحة العالمية وزاروا ووهان قالوا، في فبراير من عام 2021، إن حدوث تسرب في المختبر أمر مستبعد للغاية. وذكروا أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو انتقال الفيروس من الخفافيش إلى البشر عبر حيوان وسيط.

وتشير الدراسة الجديدة إلى احتمال تجميع أجزاء "sars-cov-2" في المختبر.

وقالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن البحث، الذي نُشر في 20 أكتوبر على "bioRxiv"، يشير إلى أن فيروس كورونا المستجد يحتوي على الخصائص الجينية التي تظهر إذا تم تجميع أجزاء الفيروس معا بواسطة شكل من أشكال الهندسة الوراثية.

وأشرف على البحث أليكس واشبورن، وهو عالم أحياء رياضي يدير شركة "سيلف"، وهي شركة ناشئة صغيرة في علم الميكروبات، مقرها نيويورك.

وتعاون الدكتور واشبورن مع عالمين آخرين، هما أنطونيوس فان دونجن، أستاذ علم العقاقير بجامعة ديوك في نورث كارولاينا، وفالنتين بروتيل، المتخصص في المناعة الجزيئية في جامعة فورتسبورغ في ألمانيا.

ويعتبر أواشبورن ودونغن من المؤيدين لنظرية التسرب في المختبر.

الجدير بالذكر أن الدراسة لم تنشر في أي مجلة علمية بعد وتحتاج إلى ما يسمى "مراجعة الأقران".

وفحص العلماء في الدراسة أجزاء الفيروس واكتشفوا أنها قصيرة نسبيا، وافترضوا أن جينوما بهذا الطول يعني دمج أجزاء أقصر من الفيروسات الموجودة.

ورجحوا استخدام ما بين خمسة وثمانية أجزاء، كلها أقل من 8000 حرف جيني، وقد تم إنشاء هذه الأجزاء باستخدام إنزيمات قاطعة، أي المقصات التي تقطع المادة الجينومية عند تسلسلات معينة تعرف باسم "مقرات/مواقع الاقتطاع".

ورصد الباحثون مواقع اقتطاع غير مألوفة لفيروس طبيعي، وأشاروا إلى أن طول أطول جزء في الفيروس كان أقصر بكثير مما هو متوقع، وفقا لتفسيرهم.

وتباينت ردود فعل العلماء على النظرية.

وقال فرانسوا بالوكس، أستاذ بيولوجيا الأنظمة الحاسوبية في يونيفرسيتي كوليدج لندن، للإيكونوميست إنه وجد النتائج "مثيرة للاهتمام ولا تحتوي على أي خلل فادح في التفكير والمنهجية".

لكن إدوارد هولمز، عالم الأحياء التطوري وعالم الفيروسات بجامعة سيدني، أشار في حديثه للمجلة إلى أن كل الخصائص التي حددتها الورقة البحثية تشير إلى مصدر طبيعي وهي موجودة بالفعل في فيروسات الخفافيش الأخرى.

من جانبه، نقلت المجلة عن سيلفستر ماريلونيت، الخبير في البيولوجيا التركيبية في معهد لايبنيز للكيمياء الحيوية النباتية، في ألمانيا، أن عدد مواقع الاقتطاع هذه وتوزيعها لا يبدو عشوائيا تماما، وأن عدد "الطفرات الصامتة" الموجودة في هذه المواقع يشير إلى أنه تمت هندستها وراثيا.

ومع ذلك، قال جاستن كيني، الأستاذ في مختبر كولد سبرينغ هاربور، في نيويورك، للإيكونوميست إن الباحثين قد صنعوا فيروسات كورونا من قبل وتركوا مثل هذه المواقع في الجينوم. 

ويرى إريك فان نيمويجن، من جامعة باز، إنه من الصعب استخلاص أي نتائج نهائية، ويضيف "لا يمكن للمرء أن يستبعد على الإطلاق أن مثل مواقع الاقتطاع قد تكون حدثت بالصدفة"، وفقا ما نقلت عنه المجلة.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.