الصين كورونا
سياسية الإغلاق أدت إلى رفع البطالة بين الشباب إلى مستوى غير مسبوق

عمدت السلطات المختصة في الصين إلى إجراء تغييرات في سياستها إزاء مكافحة فيروس كورونا المستجد، فأخذت تخفف بعض القيود المرتبطة بجهود مكافحة الوباء في مدن كبرى، وذلك بعد أيام من احتجاجات واسعة دعت إلى رفع إجراءات الإغلاق.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد كشفت الحكومة الصينية، يوم الأربعاء، عن تخفيف واسع لسياستها الصارمة المعروفة باسم "صفر كوفيد".

وتسعى بكين من خلالها تخفيفها للإجراءات المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا المستجد إلى إنعاش الاقتصاد بعد أن تعطلت الحياة اليومية لمئات الملايين من الناس، وإجبار العديد من الشركات الصغيرة على الإغلاق، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب إلى مستوى قياسي.

وفيما يلي أبرز الخطوات التي اتخذتها الصين، والمتعلقة بالتغييرات التي طالت سياسة "صفر كوفيد".

اختبارات الفيروس

لن يتم إجراء الفحوصات الجماعية في المناطق التي لا تعتبر "عالية الخطورة"، وهي تسمية تطلق على الأماكن التي تنتشر فيها الكثير من الحالات الإيجابية. 

وسوف تقتصر فئة "المخاطر العالية"، بحسب القواعد الجديدة، على المباني أو الوحدات أو الطوابق أو المنازل، بدلاً من أن تشمل الأحياء والمدن بأكملها، كما أنه لن يكون اختبار "بي سي آر" مطلوبا للانتقال والسفر بين المناطق داخل البلاد. 

الاستشفاء والحجر الصحي

في خروج عن القاعدة التي كانت تثير غضب الكثير من الصينيين، والتي تجبر العديد من المصابين على البقاء في مرافق العزل المؤقتة والمستشفيات، أصبح الأشخاص المصابون بأعراض خفيفة قادرون على البقاء في منازلهم لمدة خمسة أيام فقط مع إعادة الاختبار بعدها.

وعدلت السلطات بعض هذه القواعد في أوائل نوفمبر، بعد أن ألغت أوامر البقاء في المنزل للمخالطين للمرضى من ذويهم، حيث كان ذلك الإجراء يتسبب في حجز عشرات الملايين داخل بيوتهم.

عمليات الإغلاق

تحد الإجراءات الجديدة من سلطة المسؤولين المحليين في فرض الإغلاق، وإجبارهم على العمل على رفعه في أسرع وقت.

وقد تستمر السلطات المحلية في إغلاق المباني في حالة اكتشاف حالة إيجابية، لكنها لا تستطيع تقييد الحركة وتعليق العمليات التجارية في مناطق خارج تصنيف "عالي الخطورة" المحدد. 

وبالنسبة للمناطق "عالية الخطورة"، تفرض المبادئ التوجيهية الجديدة رفع الإغلاق إذا لم يتم اكتشاف حالات إيجابية جديدة لمدة خمسة أيام متتالية.

في الأماكن المغلقة، يحظر على السلطات بشكل صارم منع الناس من استخدام مخارج الطوارئ في حال وجود إنذار بوجود حريق.

ويأتي هذا القرار عقب وفاة عشرة أشخاص مؤخرا إثر نشوب حريق في أحد المباني بمنطقة شينجيانغ الغربية.

وكانت تلك الحادثة قد تسببت في احتجاجات واضطرابات جماعية في أكثر من عشرين مدينة خلال الأسبوع الماضي.

التطعيمات

جددت الحكومة تعهدها ببذل المزيد لزيادة معدل التطعيم لكبار السن، لكن القواعد الجديدة تركت أسئلة دون إجابة بشأن كيفية محاولة المسؤولين احتواء موجات العدوى القادمة. 

وعمد الحزب الشيوعي الحاكم إلى تسريع حملة التطعيم في الأيام الأخيرة من خلال الموافقة على العديد من اللقاحات الجديدة المصنوعة في الصين، وعبر نشر وبث مقابلات مع الخبراء الذين يحاولون تهدئة المخاوف بشأن الآثار الصحية السلبية لتلك اللقاحات.

ولكن هذه الخطوة قد لا تحقق أهدافها في الوقت المناسب، وذلك وفقا لعالم الفيروسات بجامعة هونغ كونغ،  الطبيب سيدهارث سريدهار، والذي يرى أنه حتى إذا تحركت الصين بسرعة لتطعيم سكانها المعرضين للخطر، مثل كبار السن، فإنها بحاجة إلى بضعة أشهر حتى تبدأ الحملة بإعطاء بعض النتائج الإيجابية.

ولفت إلى أن اللقاحات المحلية في الصين أضعف من اللقاحات التي تعتمد على تقنية mRNA الغربية، إذ يتفق الخبراء على أن جرعة ثالثة باتت ضرورية للوقاية من الأعراض الشديدة.

وفي غضون ذلك، أوضح أن إجراءات الوقاية، بما في ذلك التباعد الاجتماعي والحجر الصحي والعزل المنزلي، ليست كافية لمنع تفشي الوباء على نطاق واسع.

وتابع سريدهار: "في حال حدوث تفش كبير في مرحلة ما، فمن الجيد أن تكون مستعدًا لذلك".

وذلك يعني، بحسب كلام الطبيب،  تقديم  جرعات معززة لكبار السن، وتخزين ما يكفي من أدوية علاج كوفيد - 19 في المستشفيات بجميع أنحاء البلاد للمساعدة في التعامل مع الحالات الحادة، بالإضافة إلى توفير أجهزة تنفس اصطناعي، وما يكفي من الأسرة لاستقبال المرضى.

وختم سريدهار: "إنهم بحاجة إلى تعزيز دفاعاتهم لأن العاصفة قادمة".

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.