أعداد الجثث تتزايد في المستشفيات
أعداد الجثث تتزايد في المستشفيات

منذ أن تخلت الصين عن سياستها "صفر كوفيد" قبل حوالي أسبوعين، ظلت شدة وحجم أول تفشي على مستوى البلاد غير معروفة إلى حد كبير مع إنهاء البلاد للاختبارات الجماعية.

ولدى الحكومة تعريف "ضيق" للوفيات التي يجب أن تحسب على أنها ناجمة عن كوفيد، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، التي استقصت نوعا مختلفا من البيانات للبحث عن أدلة تشير إلى مدى تزايد الإصابات في البلاد، مثل بيانات المقاطعات الصينية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر صورا لمستشفيات مكتظة بأكياس الجثث، قبل أن يتم إزالتها بسرعة من قبل الرقابة.

وأبلغت مقاطعة واحدة وثلاث مدن عن تقديرات إصابات تتجاوز بكثير الأرقام الرسمية في الأيام الأخيرة.

مخاوف من عدم قدرة النظام الصحي الصيني على استيعاب أعداد المرضى

وفي مؤتمر صحفي يوم الأحد، قدر مسؤول في مقاطعة تشجيانغ، التي تضم 65 مليون شخص، أن حالات كوفيد اليومية هناك تجاوزت المليون.

وفي مدينة تشينغداو الشرقية، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، قال وزير الصحة يوم الجمعة إن هناك ما يقرب من نصف مليون حالة جديدة كل يوم، وهو رقم يتوقع أن يرتفع بشكل حاد في الأيام المقبلة، حسبما ذكرت مواقع إخبارية محلية.

وفي دونغوان، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة تقع في مقاطعة قوانغدونغ بوسط البلاد، قدر تقرير لجنة الصحة بالمدينة يوم الجمعة ما بين 250 ألفا و300 ألف حالة جديدة يوميا.

وفي مقاطعة شنشي الشمالية الغربية، سجل المسؤولون في يولين، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 3.6 مليون نسمة، إصابة 157 ألف شخص يوم الجمعة، حيث تقدر النماذج أن أكثر من ثلث سكان المدينة قد أصيبوا بالفعل، وفقا لوسائل الإعلام المحلية.

وتتناقض هذه الأرقام بشكل حاد مع تلك الصادرة عن لجنة الصحة الوطنية الصينية، التي أبلغت يوم الجمعة عن حوالي 4000 حالة Covid في البلاد بأكملها.

ويعتقد بعض الخبراء أنه يمكن أن يتسبب في أكثر من مليون حالة وفاة في الأشهر القليلة المقبلة، وفقا للصحيفة.

وتقدر كارين جريبين، خبيرة الصحة العامة في جامعة هونغ كونغ، أن الصين قد تواجه عشرات الملايين من الحالات الجديدة يوميا، بناء على تقديرات مستنبطة من تفشي المرض في هونغ كونغ هذا العام.

وتواجه المستشفيات والعاملون في مجال الرعاية الصحية "تحديات لم يسبق لها مثيل"، وفقا للتقرير الصادر عن لجنة الصحة في دونغوان.

الكثير من الأطباء يذهبون إلى العمل وهم مرضى

وقالت جريبين إنه في الأسبوع الماضي ذهب أكثر من 2500 من العاملين الصحيين في المدينة إلى العمل إما مع إصابات كوفيد المؤكدة أو الحمى الشديدة.

وفي أحد مستشفيات دونغوان، أصيب ما يقرب من نصف العاملين الصحيين البالغ عددهم 3000 عامل، وفقا للتقرير.

ووصف تشيان جون، نائب مدير المركز الصحي في دونغوان، نظام الرعاية الصحية المثقل بأنه "وضع مأساوي".

وفي تشينغداو، كانت المواقع الطبية المؤقتة تقنن الطرود الصحية التي تتكون من 10 أقراص إيبوبروفين (خافض حرارة) واختبارين سريعين للمستضد لكل شخص، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية.

وقال جين دونغ يان، عالم الفيروسات في جامعة هونغ كونغ، إنه في حين أن العديد من الدول تواجه مشكلات في عدم الإبلاغ عن حالات تفشي المرض لأسباب مختلفة، مثل الحالات التي لا تظهر عليها أعراض أو مثبطات الإبلاغ، فإن الإحصاءات الرسمية من قبل الحكومة المركزية الصينية بعيدة جدا بحيث تبدو مخادعة.

ومع اتساع الفجوة بين البيانات الرسمية والتصور العام، زادت السخرية عبر الإنترنت.

عندما أبلغت مقاطعة هيلونغجيانغ عن خمس حالات كوفيد فقط، قال أحد المعلقين عبر الإنترنت أنه يعرف كل هذه الحالات شخصيا.

الحالات الجديدة ترتفع بمعدل كبير

وتقول الصحيفة إن تفشي المرض في الصين لا يجهد مصداقية حكومتها ونظام الرعاية الصحية فحسب، بل وأيضا القدرة على توفير الأدوية الأساسية الخافضة للحمى.

ويواجه الملايين الآن احتمال الاستغناء عنها، حيث تنفد الأدوية الأكثر فعالية في الصيدليات.

وفي يولين، أمرت السلطات الصيدليات بتقنين الإيبوبروفين وغيره من الأدوية الخافضة للحمى، وسمحت للعملاء بشراء ما لا يزيد عن إمدادات ثلاثة أيام.

وقد ذهب بعض المسؤولين إلى أبعد من ذلك.

وقالت شركتان صينيتان على الأقل للأدوية لصحيفة نيويورك تايمز إن السلطات صادرت إمداداتهما من الإيبوبروفين والأسيتامينوفين، مما منعهما من تزويد عملائهما المعتادين.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.