عاملون طبيون يرتدون بدلات واقية في وحدة للعناية المركزة لمرضى كورونا في مستشفى في ووهان الصينية- 16 مايو 2023
عاملون طبيون يرتدون بدلات واقية في وحدة للعناية المركزة لمرضى كورونا في مستشفى في ووهان الصينية- 16 مايو 2023

حين توقع كبير مستشاري الصحة الصينيين، الأسبوع الماضي، أن تشهد بلاده ذروة جديدة في حالات الإصابة بفيروس كورونا، تصل إلى 65 مليون حالة أسبوعيا في الصين بحلول الشهر المقبل، دق بعض خبراء الصحة ناقوس الخطر.

وتواجه الصين موجة جديدة من كوفيد-19 بسبب متغير جديد ظهر الشهر الماضي، يدعى "أكس بي بي". 

وكان عالم الأوبئة، الخبير في أمراض الجهاز التنفسي، تشونغ نانشان، من بين أول من أكدوا سهولة انتقال المتغير الجديد، وذلك بعد ستة أشهر تقريبا من إنهاء بكين فجأة لاستراتيجيتها الصارمة "صفر كوفيد". 

ومنذ التحول إلى سياسة "التعايش مع الفيروس" في أوائل ديسمبر، توقف المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها عن تحديث الإصابات الأسبوعية. لكن التخفيف المفاجئ لبروتوكولات مكافحة الوباء أدى أيضا إلى ما يقدر بنحو 37 مليون إصابة جديدة يوميا، بعد ذلك بأسابيع. 

وبحلول يناير، قال الخبراء إنهم يعتقدون أن ما يقرب من 80 في المئة من سكان الصين، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، قد أصيبوا بالفعل في هذه الموجة.

وبدأت موجة جديدة من الإصابات في أبريل، لكن هذه المرة بمتغير جديد "أكس بي بي"، الذي كشفت  نماذج الطبيب تشونغ أنه من المتوقع أن يتسبب في 40 مليون إصابة أسبوعيا بحلول مايو، ثم يرتفع الرقم إلى 65 مليونا في يونيو. 

وبينما كانت تقديرات مسؤولي الصحة الصينيين بأن الموجة بلغت ذروتها بالفعل في أبريل، فإن عدد الإصابات الجديدة المسجلة بين 15 و 21 مايو الجاري ارتفع أربع مرات في أربعة أسابيع.

وتنقل مجلة تايم عن الزميل الأول للصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، يانتشونغ هوانغ،قوله إنه "على الرغم من أن الاختبارات الجماعية فقط هي التي يمكنها اكتشاف مدى انتشار المرض، فقد حصل السكان على بعض المناعة من الموجة السابقة". 

ويضيف هوانغ: "يحاول مسؤولو الصحة العامة التقليل من خطورة هذه الموجة الثانية. يبدو أن الصينيين تعلموا التعايش مع الفيروس". 

وترى عالمة الأوبئة في جامعة ديكين في أستراليا، كاثرين بينيت، أن الموجة الجديدة "تختبر فعالية لقاحات الصين"، مضيفة أن بكين يجب أن تضمن أن اللقاحات الجديدة تم تحديثها. 

تحذر بينيت من أنه "مع استمرار انتشار الفيروس في الصين إلى جانب ضعف المناعة العامة، فإنه لا تزال هناك إمكانية لظهور متغير فرعي جديد أكثر خطورة، رغم أن الاحتمال أقل بكثير الآن". 

وبحسب بينيت، فإن الطفرات الأخيرة لم تختلف كثيرا في التركيب الجيني عن بديل أوميكرون، مشيرة إلى أن أعراض العدوى بسيطة نسبيا، وهو ما تعتبره مؤشرا يبعث على الاطمئنان إلى حد ما. 

لكن العامل الآخر الذي يؤثر على توقعات مستقبل الوباء بالنسبة للصين، هو استعدادها لتبادل المعلومات، بحسب الخبراء. 

يتشكك الباحثون بشأن الأرقام الرسمية التي تعلن عنها الحكومة الصينية للمصابين بكورونا. 

وأثارت البيانات الحديثة لأرقام الجنازات التي نظمت في الصين للفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 تكهنات بأن البلاد لم تحدد بعد المدى الحقيقي لانتشار العدوى في الموجة الأولى.

ويقول الأستاذ المساعد في كلية "دوك- أن يو أس" للطب في سنغافورة، فينسينت بانغ، لمجلة "تايم". إن البيانات المتعلقة بانتشار وتأثير كوفيد-19 لن تكون مفيدة إلا إذا تمت مشاركتها مع الآخرين على منصة عالمية، حتى تتمكن البلدان من إجراء تقييم المخاطر الخاصة بها، مؤكدا أن "الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود الجغرافية. لا أحد بأمان حتى يصبح كل منا جاهزا وآمنا". 

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.