اللقاحات المضادة لكورونا حالت دون حدوث ملايين الوفيات حول العالم
اللقاحات المضادة لكورونا حالت دون حدوث ملايين الوفيات حول العالم

في مواجهة ضعف المناعة ضد فيروس سارس - CoV-2 المسبب لكورونا، يخطط مسؤولو الصحة في جميع أنحاء العالم لطرح لقاحات معززة في الأشهر القليلة المقبلة. لكن قد لا يكون لهذه الحملات التعزيزية نفس النهج السابق، حيث تلقى مئات الملايين حول العالم لقاحات مضادة لكورونا.

الآن وبعد أن انتهت حالة الطوارئ العالمية الخاصة بفيروس كورونا وتضاءلت الإصابات، أعاد المسؤولون التفكير في من يجب أن يتلقى التطعيمات الجديدة ومتى؟

وقامت بعض البلدان بالفعل بتقييد الوصول إلى الجرعات المعززة، وهي متاحة فقط للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض خطيرة أو الوفاة، وقد ألمحت العديد من الدول إلى أن التعزيزات المحدثة التي سيتم طرحها في الأشهر المقبلة ستكون مخصصة للأفراد المعرضين للخطر، وفقا لتقرير نشرته مجلة "نيتشر"، الخميس.

ويشير مسؤولو الصحة إلى أن العديد من الأشخاص لا يزالون محميين ضد المرض إما عن طريق العدوى السابقة أو التطعيم أو كليهما.

وتقول، أنيليس ويلدر سميث، اختصاصية اللقاحات في منظمة الصحة العالمية (WHO) في جنيف، إن هذه الحماية، جنبا إلى جنب مع ما تسبب به الوباء (انتشار العدوى)، والمستوى المنخفض نسبيا من الاستشفاء والالتهابات "وضعتنا في مرحلة مختلفة، ونحن بحاجة إلى مناهج مختلفة".

لكن عددا قليلا من البلدان يؤكد أنه يجب إعطاء المعززات لجميع الفئات العمرية تقريبا، ويجادل بعض العلماء بأن حملات التطعيم الواسعة يمكن أن تساعد في حماية الأشخاص المعرضين للخطر.

ومنذ أواخر عام 2022، تقدم العديد من البلدان معززات تستهدف السلالة الأصلية لفيروس كورونا SARS-CoV-2 ومتحور أوميكرون. وتحمي هذه اللقاحات من الأمراض الشديدة والوفاة، لكن تعزيز المناعة التي تمنحها تتضاءل بسرعة، إذ تُظهر البيانات الواردة من المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الحماية من الاستشفاء انخفضت من 62٪ في أول شهرين بعد اللقاح إلى 24٪ بعد 4 شهور.

ولتعزيز المناعة قبل الارتفاع المتوقع للعدوى خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، يستعد المسؤولون لإطلاق حملة تعزيز أخرى. ويُعد مصنعو اللقاحات حقنة محدثة تستهدف متحورا فرعيا واحدا حديثا من أوميكرون.

لكن الحماس العام يتضاءل، جنبا إلى جنب مع المناعة، فقد انخفض معدل فعاليات الجرعات السابقة، وتلقى حوالي 17٪ فقط من الناس في الولايات المتحدة جرعات جديدة، وحوالي 14٪ من الأشخاص في دول الاتحاد الأوروبي تلقوا جرعة معززة ثانية.

وعلى أساس هذه العوامل والمسار الحالي للوباء، أوصت مجموعة فرعية تابعة لمنظمة الصحة العالمية في مارس الماضي، بضرورة استمرار المجموعات المعرضة للخطر، مثل كبار السن والعاملين في مجال الرعاية الصحية، في تلقي الجرعات المعززة بشكل روتيني. لكن الإرشادات لا توصي باستخدام المعززات الروتينية للبالغين الأصحاء الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما والذين سبق أن حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح.

ولا تؤيد الإرشادات أيضا اللقاحات المضادة لكورونا للأطفال الأصحاء، بما في ذلك أولئك الذين لم يتم تطعيمهم بعد. وتقول منظمة الصحة العالمية إن فائدة اللقاح للأطفال "أقل بكثير" من الفوائد من اللقاحات الأخرى في مرحلة الطفولة، مثل الحصبة.

وفي فبراير الماضي، على سبيل المثال، توقف المسؤولون في المملكة المتحدة عن تقديم الجرعات المعززة إلى الأشخاص الأصحاء الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما. والعديد من البلدان الأخرى في أوروبا، بما في ذلك فرنسا والسويد، لديها قيود مماثلة على توزيع الجرعات المعززة.

وعلى النقيض من ذلك، واصل المسؤولون الأميركيون تقديم الجرعات المعززة للجميع تقريبا، بما في ذلك الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 6 أشهر وما فوق. وفي سياق مماثل، أعلن المسؤولون اليابانيون عن خطة لتقديم جرعة معززة أخرى بين شهري سبتمبر وديسمبر للأشخاص الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات فما فوق - وربما كل عام.

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.