وجوه وقضايا

من يحكم سوريا.. الشرع أم الجولاني؟

غزوان الميداني- واشنطن
04 فبراير 2025

في منتصف ديسمبر الماضي، زار أحمد الشرع مدرسة طفولته في أحد أحياء دمشق، والتقط صورة تذكارية مع مديرتها.

لم يخل المشهد، على  منصات التواصل، من لمسة عاطفية.

لكنه أثار سؤالا لا يزال يردده كثيرون:

من العائد إلى مرابع الطفولة؟

خريج ابتدائية عمر بن الخطاب أم نزيل سجن بوكا السابق؟

قبل دخولها دمشق بثلاثة أيام، أعلنت هيئة تحرير الشام أن زعيمها "أبو محمد الجولاني" تخلى عن اسمه الجهادي، وعاد لاعتناق اسم الطفولة: أحمد الشرع، الذي سيقود المرحلة الانتقالية في سوريا بعد هروب رئيس النظام السابق بشار الأسد.

في العاصمة دمشق، وابتداء من 8 ديسمبر، ظهر الشرع بين الناس وأمام الكاميرات من دون عمامة الجولاني الأفغانية.

وراح يستقبل مسؤولين دوليين ومراسلي وسائل إعلام أجنبية ببدلة غربية وربطة عنق ولحية مشذبة.

لم يكن الجولاني اسما حركيا فحسب، أو زيا، أو لحية كثة، بل متطرفا فكرا وممارسة.

لهذا، يرمي كثيرون رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا بتهمة "التظاهر بالاعتدال".

يرون أن الجولاني لم يختف تماما من المشهد؛ إنما توارى خلف صورة السياسي المعتدل، إلى حين.

"براغماتية مؤقتة" تجد مسوغاتها في "فقه الاستضعاف"، الذي تنتهجه الحركات الإسلامية المتطرفة في الغالب، يقولون.

وعندما امتنع الشرع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيبروك، لدى استقبالها في أوائل يناير، تعززت الشكوك. 

بدا وكأن الشرع تصرف بوحي من الجولاني.

وبما أن "هيئة تحرير الشام" لم تنهج، بعد سيطرتها على دمشق، نهج داعش في "فقه التمكين"، فهي، برأي المشككين، موغلة في الاستضعاف حتى إشعار آخر؛ إلى أن تقوى شوكة الجماعة.

الاستضعاف والتمكين

في أغسطس 2021، انسحبت القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، تنفيذا لاتفاق أبرمته واشنطن مع طالبان في الدوحة في فبراير 2020. 

وبعد سيطرة طالبان على كابول، سارع المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد، إلى طمأنة المجتمع الدولي في أول مؤتمر صحفي يعقده أمام وسائل إعلام غربية.

تعهدت الحركة، على لسان مجاهد، باحترام حقوق المرأة "في إطار الشريعة الإسلامية"، والسماح للنساء بالتعليم والعمل.

وما إن استقرت في السلطة،  سارعت  طالبان إلى فرض قيود متزايدة على الحريات العامة، وأجهزت على حقوق النساء، إذ منعتهن من دخول الجامعات، ومن العمل في قطاعات مهنية متعددة. 

قّيدت طالبان كذلك حرية المرأة في التنقل، وأصبح ارتداء الحجاب إلزاميا، وفق رصد قدمته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في أغسطس 2024.

في سوريا، يقول الشرع، تختلف الأمور عن أفغانستان.

"هناك فوارق كبيرة بين سوريا وطالبان"، قال الشرع في مقابلة تلفزيونية، في 19 ديسمبر، "المجتمع السوري مجتمع مختلف تماما بتكوينه وطبيعته وطريقة تفكيره".

ووضّح الشرع رؤيته لآلية إدارة سوريا في المرحلة الانتقالية.

قال إن البلد يجب أن "يمر بثلاث مراحل على أقل تقدير".

كان من المفروض أن تتضمن المرحلة الثانية "دعوة لمؤتمر وطني جامع لكل السوريين" يصوت على حل الدستور والبرلمان. ويتولى مجلس استشاري ملء الفراغ الدستوري والبرلماني خلال الفترة المؤقتة "حتى يصير في [ثمة] بنية تحتية للانتخابات"، وفقا لما قاله في المقابلة.

بعد نحو شهر، بدا وكأن الشرع، أو ربما الجولاني، نكث بأول وعوده.

أسندت إليه "إدارة العمليات العسكرية" والفصائل في سوريا، في 20 يناير، منصب رئيس المرحلة الانتقالية.

ومن دون "مؤتمر وطني جامع لكل السوريين"، ألغت الفصائل المسلحة بقيادة الشرع الدستور وحلت البرلمان. 

يعكس تدرج الجماعات الجهادية في السيطرة على الحياة السياسية استراتيجية تُعرّفها أدبيات السلفية الجهادية بـ"فقه الاستضعاف"، وهو مفهوم يقوم على إظهار المرونة في "تطبيق الشريعة في ظل ضعف المسلمين" أو عند مواجهة عقبات تمنعهم من تحقيق أهدافهم كاملة.

"فقه التمكين" مجموعة من الأحكام والمبادئ الفقهية التي تُطبَّق حتى تحقيق "الشوكة" أي المقدرة، وتهدف لإقامة الدين وإدارة شؤون المسلمين من خلال الالتزام الصارم بمقاصد الشريعة.

في حالة طالبان، كان الانتقال من الاستضعاف إلى التمكين سريعا.

تجاوز الجولاني فكرة "المؤتمر الوطني الجامع،" لم يفتقر إلى السرعة كذلك.

من هو أحمد الشرع؟

ولد أحمد الشرع في السعودية، ونشأ لاحقا في سوريا، بعد أن عادت عائلته إلى الوطن الأم. 

أصل العائلة من بلدة تابعة للجولان. من هنا، ربما، جاء لقب الجولاني، الذي تخلى عنه في نهاية المطاف، أو بالأحرى في بداية مسار ه الجديد.

في 2003 سافر إلى العراق لـ"الجهاد دفاعا عن المسلمين،" متأثرا بالتشجيع الضمني الذي قدمه نظام الأسد للراغبين بالذهاب إلى العراق لقتال القوات الأميركية.

انضم إلى القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ليصبح اسمه منذ ذلك الحين "أبو محمد الجولاني".

كان الزرقاوي مسؤولا عن مقتل مئات المدنيين العراقيين، وأشعل فتيل حرب أهلية وطائفية في العراق.

 يقول الشرع في مقابلة تعود إلى العام 2021 "لم ألتق بالزرقاوي، لكنني لم أرض عن ممارساته".

في عام 2005، اعتقلته القوات الأميركية في العراق، وقضى نحو 5 سنوات في سجن بوكا المخصص لعناصر الجماعات الإرهابية.

بعد خروجه من بوكا، عاد إلى سوريا، حيث أسس في 2011 "جبهة النصرة"، بدعم من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، الذي سيصبح في ما بعد تنظيم داعش بزعامة أبو بكر البغدادي.

في عام 2013، انفصل عن داعش وبايع زعيم القاعدة أيمن الظواهري.

في عام 2016، أعلن الجولاني انفصاله عن تنظيم القاعدة. وخاضت "جبهة النصرة" مواجهات مسلحة مع فصائل القاعدة وداعش في إدلب. 

رغم قتاله ضد القاعدة وداعش في إدلب، لم يبد أن الجولاني كان يتخلى عن نهجه الجهادي.

تحول الجولاني

"مرت الحركات الجهادية بتحولات عدة،" يقول حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية في كتاب عن "الجهادية العربية".

فهي "بدأت من الجهاد التضامني للدفاع عن أراضي المسلمين وحمايتها من العدوان الخارجي، وانتهت بتحوّل التنظيمات الجهادية نحو اللامركزية والاستقلالية مثل جبهة النصرة التي فكت ارتباطها عن القاعدة".

وفق هذه الرؤية، يمكن فهم تحول خطاب "هيئة تحرير الشام،" بقيادة الجولاني، إلى خطاب أكثر اعتدالا، إذ يبدو أن الحركة حاولت التأقلم مع الواقع الذي فرضته ثورات الربيع العربي.

هذا يستتبع أن "اعتدال" أحمد الشرع نفسه، نتيجة طبيعية في سياق تطور رؤية الحركة منذ انفصالها عن داعش والقاعدة قبل نحو 10 سنوات.

ويقول الكاتب، الباحث عقيل عباس، إن خطاب "جبهة النصرة" كان خطابا إسلاميا جهاديا سوريا، أي أن هدفها كان الإطاحة بالأسد، ويدلل على ذلك  باستخدام عناصرها باستمرار لعبارة "الثورة السورية".

لهذا يعتقد أن جزءا من تحول الشرع "ذهني وفكري"، يستند إلى أن الجولاني غادر منذ مدة، وقبل التغيير، "الجهادية الإسلامية العالمية وفكرة الخلافة نحو المعارضة الوطنية بلباس إسلامي سلفي".

"تجميل زائف"

"من يدير سوريا الآن هي فصائل مسلّحة إرهابية لم تتراجع عن أي شيء من أفكارها"، في رأي الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى.

"هذه القوى،" يقول عيسى لموقع "الحرة"، "تغتصب السلطة بقوة السلاح، وإنّ أي انحياز لها معناه أنك تصنع طالبان أخرى أو تصنع ظاهرة أشدّ سوءا".

"ما حدث ويحدث من تهذيب اللحى وارتداء البدلات ليس سوى خداع وتجميل زائف".

وعن الانفتاح الغربي على سوريا بعد سقوط الأسد، يعتقد الإعلامي المصري أن الغرب يتعامل بمنطق "الإرهابي الذي يخدمني خير من الذي يعاديني".

"بقاء الجولاني يعني إطالة أمد التطرف في سوريا"، يضيف.

في المقابل، يرى الباحث في الحركات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي أنه "من المبكر الحكم على طريقة حكم أحمد الشرع في سوريا".

ومع أن "الحركات الجهادية غالبا ما تخفي نواياها في البداية"، يرى رفيقي أن الشرع بعث رسائل طمأنة تدل على تغيير في أفكاره، مثل "وصوله للحكم من دون إراقة دماء، وحماية الطوائف الأخرى، ودعوته لمؤتمر وطني شامل".

"هذه الرسائل تعكس جهوده لبناء تجربة أكثر قبولا".

من ناحية أخرى، يعتقد رفيقي أن الشرع لم يعد مخيرا بين التطرف والاعتدال.

"وصوله إلى السلطة بهذه السهولة "غير المتوقعة،" يقول رفيقي لموقع "الحرة،" يشير إلى وجود اتفاقات مع أطراف خارجية.

"هذه الاتفاقات لا يمكن أن تحدث من دون ضمانات من أحمد الشرع ومن معه على عدم تكرار تجارب" سابقة لجماعات الإسلام السياسي، مثل تجربة الإخوان المسلمين في مصر التي "ارتكبت أخطاء كثيرة".

"رسائل الشرع تبعث على التفاؤل بمستقبل سوريا رغم وصول تنظيم جهادي سابق للحكم،" يقول الباحث المتخصص في الجماعات الجهادية.

وفي هذا السياق، يقول عقيل عباس إن "من حسن حظ سوريا أنها ليست دولة ريعية، أي لا تملك كميات كبيرة من النفط".

 "هي تحتاج مساعدات الآخرين. وبتصوري هذا عامل ضاغط أساسي ورئيسي في ألا تذهب الأشياء نحو الأسلمة".

الأفعال تتحدث

يعتقد كولين كلارك، كبير باحثين، زميل مشارك في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) أن من الصعب معرفة ما يدور في فكر الشرع ونواياه بدقة، رغم أن المسار الذي تسلكه هيئة تحرير الشام يُظهر تغييرات واضحة في خطابها السياسي وتحركاتها الدولية.

لكي نقيم تجرية الشرع "لا بد أن ننتظر قليلا حتى يبدأ في الحكم"، يقول كلارك لموقع "الحرة".

"الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال،" حسب تعبيره.

لكن، يتساءل كلارك، "هل يعكس لباس الشرع، اليوم، حالته الفكرية؟ وماذا سيفعل بشأن مقاتليه، أصحاب اللحى والشعور الطويلة؟ 

"هذا هو التحدي الأكبر،" يوافق الباحث عقيل عباس.

"تحدي أحمد الشرع هو كيف يستطيع إقناع عشرات الجماعات المسلحة بمثل هذا التحول؟ كيف يتحول سلوكهم من سلوك إسلاموي إلى سلوك محلي قانوني، يحترم التنوع ويحترم التعددية".

ويضيف: "هنا سيكون اختبار الفشل أو النجاح".

عندها فقط  نعرف الإجابة على السؤال: من يحكم سوريا، الشرع أم الجولاني؟

غزوان الميداني

وجوه وقضايا

"اليهود البغداديون".. حكاية بصمات عراقية في الهند

رامي الأمين
23 أبريل 2025

يحكي الملحن البريطاني براين إلياس في مقطع فيديو عن خليط بين الطعام البغدادي اليهودي والتوابل الهندية. ما زال هذا الخليط يسكن ذاكرته ويشعر بطعمه في فمه، لما يعنيه من مزيج ثقافات في أطباق كانت تُعد بأيادي "اليهود البغداديين" في منطقة بايكولا في مدينة مومباي الهندية.

الفيديو واحد من عشرات الفيديوهات التي تنشرها الشابة البريطانية كيرا شالوم في حسابها "تاريخ المزراحي" The Mizrahi History على إنستغرام، لشهادات وذكريات لليهود المشرقيين من مختلف البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

شالوم التي تتحدّر من عائلة يهودية بغدادية عاشت في الهند حتى ستينيات القرن الماضي، تخصّص الكثير من وقتها، ومساحة كبيرة من حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، للإضاءة على تاريخ ما يُعرف بـ"اليهود البغداديين".

وصل هؤلاء بأعداد كبيرة إلى الهند في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولم يبق منهم سوى أعداد قليلة ما زالت تعيش هناك.

في كتابها "اليهود البغداديون في الهند"، تقول المؤرخة الإسرائيلية شالفا ويل إن هذه الفئة من اليهود معروفة في الهند وخارجها رغم عددها القليل، ومعظمها يتحدث اللغة العربية بالإضافة إلى الإنجليزية والهندية.

يتحدر هؤلاء بحسب ويل، ليس من بغداد فحسب، بل أيضاً من مدن عراقية أخرى كالبصرة والموصل، وكذلك من سوريا واليمن وإيران وبخارى وأفغانستان. بهذا المعنى فإن التسمية لا تعني حصراً اليهود المتحدّرين من العاصمة العراقية، بل تشمل يهوداً مزراحيين (شرقيين) من مناطق مختلفة في الشرق الأوسط.

تشير الكاتبة الإسرائيلية إلى أن أول يهودي وصل الهند من بغداد كان يدعى جوزف سماح ورست سفينته في مرفأ سورات في غوجارات الهندية في عام 1730، وترك بغداد بحثاً عن فرص تجارية جديدة.

ومع بدايات القرن التاسع عشر بحسب الكاتبة، تحولت مومباي إلى ملجأ كبير لعدد من اليهود الناطقين بالعربية الذين هربوا من بطش داود باشا، آخر حكام العراق من المماليك في الفترة بين عامي 1816 و1831.

أما التاريخ المفصلي في ترسيخ الوجود اليهودي البغدادي في مومباي وتطورها الاقتصادي نتيجة ذلك، فكان مع وصول ديفيد ساسون وعائلته إلى المدينة في عام 1832، حيث عملوا في تجارة الأفيون قبل أن تصبح غير شرعية.

بَنَت هذه العائلة سيناغوغ (كنيس يهودي) في بايكولا في مومباي، وآخر حمل اسم إلياهو في وسط المدينة، ثم بعد أن أصبحت تجارة الأفيون غير شرعية انتقل آل ساسون إلى الاستثمار في انتاج وبيع أكياس الرمل المخصصة للدشم (تحصينات دفاعية) العسكرية في الحروب، وحققوا أرباحاً طائلة.

كما أسهم دايفد وألبرت ساسون في بناء ميناء تجاري في مومباي والعديد من المدارس والمستشفيات التي ما يزال بعضها موجوداً حتى اليوم.

صورة من أرشيف كيرا شالوم الخاص

في تقديرات لأعداد اليهود البغداديين، فإنها بلغت حتى الربع الأول من القرن العشرين نحو سبعة آلاف نسمة، لكنها سرعان ما انخفضت بشكل كبير مع منتصف القرن العشرين.

تربط ويل في كتابها بين نَيل الهند استقلالها في عام 1947 وبدء اليهود بالتفكير بالرحيل عنها، والسبب أن القوانين التي أقرتها الحكومة الهندية بعد الاستقلال ضيقت عمليات التجارة والاستيراد والتصدير، وحدّت من قدرة اليهود البغداديين على الاستثمار في التجارة وإيجاد فرص جديدة.

كما شكّل إعلان دولة إسرائيل في عام 1948 فرصة ليهود بغداديين للهجرة إليها، لكن معظمهم اختاروا بلداناً ناطقة بالإنجليزية، بينما بقي نحو ألفين منهم في الهند حتى سنوات لاحقة، قبل أن ينتقلوا إلى بريطانيا واستراليا وكندا وأميركا.

تقول كيرا شالوم إن عائلتها غادرت الهند في عام 1961، أي بعد سنوات طويلة من نيلها الاستقلال، وقبل تأسيس دولة إسرائيل.

حاولت شالوم أن تفهم من أقاربها سبب رحيل اليهود البغداديين من الهند، لكنها، كما تقول، لم تحصل على سبب مقنع، خاصة وأن "معاداة السامية لم تكن حاضرة بأي شكل من الأشكال في الهند، واندمج أهلها وغيرهم في المجتمع الهندي بشكل كامل، أي مع المسلمين والهندوس".

حتى حينما كان اليهود يتعرضون لمجازر في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، لم يتعرض من كان في الهند لأية مضايقات، وفقاً لشالوم التي ما تزال تحتفظ بصور لعائلتها في مومباي وبعضهم يلبس أزياء عربية.

كان لليهود البغداديين كما تشرح شالوم، بصماتهم على الثقافة الهندية، ومساهماتهم الكبيرة في نهضة الهند، وتذكر من بين الشخصيات اليهودية البغدادية البارزة، الممثلة العراقية نادرة (فلورنسا حزقيل) التي ولدت في بغداد عام 1932 وعاشت في الهند حتى وفاتها عام 2006، وحصلت على شهرة في سينما بوليود.

من الشخصيات الأخرى التي تذكرها، الجنرال (جي أف آر يعقوب)، وهو قائد عسكري هندي من أصول يهودية بغدادية، لعب دوراً في استقلال بنغلاديش عام 1971.

وأثر اليهود البغداديون في المطبخ الهندي، إذ أدخلوا العديد من الأطباق العراقية التي أضيفت إليها التوابل الهندية أو بعض المكونات البريطانية.

وتتحدث شالوم بشغف عن توارث هذه الأطباق في عائلتها وشيوع استخدام الجيل الذي عاش في الهند اللغات الهندية والعربية والإنجليزية في جملة واحدة، كما بقي الأحفاد يستخدمون الدلالات الهندية في الإشارة إلى الجدّ أو الجدة، من مثل "نانا" و"ناني".

لم تزر هذه الشابة البريطانية العراق أبداً، كما أنها لم تزر الهند. تقول إنها "تتمنى زيارة الهند قريباً، لكنها لا تفكّر بزيارة العراق الآن، كذلك الأمر بالنسبة إلى باقي أفراد عائلتها، حيث يمنعهم الخوف بشكل أساسي من التفكير في زيارة البلاد التي يتحدرون منها".

لكنها لا تنكر حنين العديد من أفراد عائلتها وأقاربها إلى بغداد والثقافة العراقية، خاصة الموسيقى والطعام، فضلاً عن الحنين إلى الهند التي ما تزال تحتفظ بالكثير من الآثار والبصمات الثقافية والدينية التي تركها القادمون من بغداد ومدن أخرى.

رامي الأمين