وجوه وقضايا

من يدفع كلفتها؟.. سألنا خبيرا اقتصاديا عن الرسوم الجمركية

معاذ فريحات - واشنطن
05 فبراير 2025

تثير حرب التعريفات الجمركية مخاوف من إصابة الاقتصاد الأميركي بـ"متلازمة التضخم"، لكن الاقتصادي الأميركي، البروفيسور ستيف هانك، توقع أن يبقى معدل التضخم عند مستويات 2 في المئة في الولايات المتحدة خلال 2025.

وأشار إلى أن القدرة الشرائية ستتأثر في النهاية.

توقعات هانك تتوافق مع مساعي البنك الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء التضخم عند مستوى 2 في المئة لضمان استمرار النمو الاقتصادي بطريقة صحية خلال الفترة المقبلة.

خلال السنوات الماضية، تحقق العديد من تنبؤات البروفيسور هانك، الذي تعده "FocusEconomics" من بين أكثر الاقتصاديين تأثيرا على مستوى العالم.

البروفيسور ستيف هانك

لا يعتمد البروفيسور هانك، وهو أستاذ متخصص في "الاقتصاد التطبيقي" في جامعة جون هوبكنز، على المؤشرات الرسمية فقط، وابتكر مؤشرا للتضخم، ولوحة بيانات تخضع للتحديث بشكل دوري.

يثير مؤشر هانك للتضخم الجدل أحيانا، لاعتماده على فلسفة اقتصادية خاصة في قياس ارتفاع الأسعار، بعيدا عن المعادلات التقليدية التي تتأثر بأسعار الصرف وأسواق الأسهم.

ويجعل هانك، الذي كان عضوا في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريغان، من القوة الشرائية مرساة للتضخم، بالاعتماد على نموذج بيانات لأسعار صرف العملات مختلفة عن الأسعار الرسمية.

وعلق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاثنين فرض رسوم جمركية على الواردات المكسيكية والكندية، وأبقاها على الواردات الصينية، فيما ردت الصين بفرض رسوم على واردات أميركية.

وأقر ترامب الأحد بأن الأميركيين قد يشعرون "بألم" اقتصادي بسبب الرسوم الجمركية، لكنه اعتبر أن تأمين المصالح الأميركية "يستحق هذا الثمن".

موقع "الحرة" حاور البروفيسور هانك بشأن المخاوف تأثير رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد الأميركي.

وتاليا نص الحوار:

ما هو معدل التضخم الذي تتوقعه في حال فرض ترامب التعريفات الجمركية؟

أعتقد أن معدل التضخم في الولايات المتحدة سينخفض إلى 2 في المئة أو أقل من ذلك في عام 2025.

كنت قد توقعت أن يبلغ التضخم في الولايات المتحدة بنهاية 2024 مستويات 2.5 في المئة و3 في المئة، لينتهي عند 2.9 في المئة، وذلك نظرا للنمو الهزيل للمعروض النقدي في البلاد منذ 2022.

ساهمت جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا في زيادة التضخم. أرشيفية
التضخم.. "ضريبة خفية تسرق جيوب الفقراء"
إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة وتجد قيمة السلع التي تشتريها لا تزال مرتفعة عن مستوياتها قبل أعوام الأمر الذي يضعك أمام ضائقة مالية، فأنت من بين أكثر من 60 في المئة من الأميركيين الذين يقولون إن زيادة الأسعار تسبب صعوبات مالية لهم ولأسرهم.

وبالاعتماد على التضخم الذي يحدد الاقتصاديون معدله بناء على معدل نمو كميات النقد المعروضة في السوق المحلية، توقعت أن يصل التضخم إلى ذروته عند مستوى 9 في المئة في 2022، ليسجل حينها 9.1 في المئة.

وكنت قد اعتمدت على النظرية "الكمية للنقود" المعروضة في حسابات التضخم في الولايات المتحدة. وتقوم هذه النظرية على مبدأ أن التغييرات في العرض النقدي ستؤثر بشكل يتناسب مع الأسعار والنشاط الاقتصادي.

إذاً، أنت تستبعد أن تؤثر الرسوم على التضخم.

إن فكرة أن السياسات التي قد يفرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ستؤثر على التضخم بطريقة أو بأخرى فكرة خيالية.

التضخم ظاهرة نقدية في الأساس، والتغييرات الكبيرة في التضخم تسبقها دائما في أي مكان تغييرات كبيرة في مخزون النقود.

على من يقع عبء الرسوم الجمركية عموما؟

يقع على المستهلكين. لأنهم هم من يدفع الرسوم الجمركية في الدول التي تفرضها.

المستهلكون النهائيون للسلع المستوردة في البلد الذي يفرض رسوما جمركية، مثل مستهلكي الفواكه والخضروات المستوردة، يدفعون ما يسمى بـ "تكاليف الاستهلاك".

وينطبق الشيء ذاته على المستهلكين الذين يستوردون المواد الخام، كمدخلات إنتاج للمنتجات النهائية،  فهم يتحملون أيضا تكلفة أعلى، في ما يسمى بـ"تكلفة الإنتاج".

وما لا يعرفه كثيرون أن الجزء الأكبر من تكاليف الإنتاج يتحملها المصدرون في الدول التي تفرض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.

وعد الرئيس ترامب بخفض التضخم لخفض الأسعار. كيف سيفي بوعده في حال زيادة التكلفة؟

لن تؤثر زيادة تكاليف الاستهلاك والإنتاج المرتبطة بالرسوم الجمركية على التضخم، لكنها ستؤثر على الأسعار بشكل نسبي.

أقصد هنا، الزيادة ستكون في أسعار المنتجات المستوردة، مقارنة مع البنود الأخرى التي تشكل مؤشر أسعار المستهلك.

هل ستكون هناك تأثيرات اقتصادية للرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، قبل معرفة كيفية تفاعل الدول الأخرى مع الرسوم الجمركية.

نعلم أن التأثيرات الأولية ستكون في خفض القدرة الشرائية للأميركيين، وإرباك الاقتصاد، وانخفاض الإنتاج والنمو عن مستويات ما قبل الرسوم الجمركية.

معاذ فريحات

وجوه وقضايا

"اليهود البغداديون".. حكاية بصمات عراقية في الهند

رامي الأمين
23 أبريل 2025

يحكي الملحن البريطاني براين إلياس في مقطع فيديو عن خليط بين الطعام البغدادي اليهودي والتوابل الهندية. ما زال هذا الخليط يسكن ذاكرته ويشعر بطعمه في فمه، لما يعنيه من مزيج ثقافات في أطباق كانت تُعد بأيادي "اليهود البغداديين" في منطقة بايكولا في مدينة مومباي الهندية.

الفيديو واحد من عشرات الفيديوهات التي تنشرها الشابة البريطانية كيرا شالوم في حسابها "تاريخ المزراحي" The Mizrahi History على إنستغرام، لشهادات وذكريات لليهود المشرقيين من مختلف البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

شالوم التي تتحدّر من عائلة يهودية بغدادية عاشت في الهند حتى ستينيات القرن الماضي، تخصّص الكثير من وقتها، ومساحة كبيرة من حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، للإضاءة على تاريخ ما يُعرف بـ"اليهود البغداديين".

وصل هؤلاء بأعداد كبيرة إلى الهند في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولم يبق منهم سوى أعداد قليلة ما زالت تعيش هناك.

في كتابها "اليهود البغداديون في الهند"، تقول المؤرخة الإسرائيلية شالفا ويل إن هذه الفئة من اليهود معروفة في الهند وخارجها رغم عددها القليل، ومعظمها يتحدث اللغة العربية بالإضافة إلى الإنجليزية والهندية.

يتحدر هؤلاء بحسب ويل، ليس من بغداد فحسب، بل أيضاً من مدن عراقية أخرى كالبصرة والموصل، وكذلك من سوريا واليمن وإيران وبخارى وأفغانستان. بهذا المعنى فإن التسمية لا تعني حصراً اليهود المتحدّرين من العاصمة العراقية، بل تشمل يهوداً مزراحيين (شرقيين) من مناطق مختلفة في الشرق الأوسط.

تشير الكاتبة الإسرائيلية إلى أن أول يهودي وصل الهند من بغداد كان يدعى جوزف سماح ورست سفينته في مرفأ سورات في غوجارات الهندية في عام 1730، وترك بغداد بحثاً عن فرص تجارية جديدة.

ومع بدايات القرن التاسع عشر بحسب الكاتبة، تحولت مومباي إلى ملجأ كبير لعدد من اليهود الناطقين بالعربية الذين هربوا من بطش داود باشا، آخر حكام العراق من المماليك في الفترة بين عامي 1816 و1831.

أما التاريخ المفصلي في ترسيخ الوجود اليهودي البغدادي في مومباي وتطورها الاقتصادي نتيجة ذلك، فكان مع وصول ديفيد ساسون وعائلته إلى المدينة في عام 1832، حيث عملوا في تجارة الأفيون قبل أن تصبح غير شرعية.

بَنَت هذه العائلة سيناغوغ (كنيس يهودي) في بايكولا في مومباي، وآخر حمل اسم إلياهو في وسط المدينة، ثم بعد أن أصبحت تجارة الأفيون غير شرعية انتقل آل ساسون إلى الاستثمار في انتاج وبيع أكياس الرمل المخصصة للدشم (تحصينات دفاعية) العسكرية في الحروب، وحققوا أرباحاً طائلة.

كما أسهم دايفد وألبرت ساسون في بناء ميناء تجاري في مومباي والعديد من المدارس والمستشفيات التي ما يزال بعضها موجوداً حتى اليوم.

صورة من أرشيف كيرا شالوم الخاص

في تقديرات لأعداد اليهود البغداديين، فإنها بلغت حتى الربع الأول من القرن العشرين نحو سبعة آلاف نسمة، لكنها سرعان ما انخفضت بشكل كبير مع منتصف القرن العشرين.

تربط ويل في كتابها بين نَيل الهند استقلالها في عام 1947 وبدء اليهود بالتفكير بالرحيل عنها، والسبب أن القوانين التي أقرتها الحكومة الهندية بعد الاستقلال ضيقت عمليات التجارة والاستيراد والتصدير، وحدّت من قدرة اليهود البغداديين على الاستثمار في التجارة وإيجاد فرص جديدة.

كما شكّل إعلان دولة إسرائيل في عام 1948 فرصة ليهود بغداديين للهجرة إليها، لكن معظمهم اختاروا بلداناً ناطقة بالإنجليزية، بينما بقي نحو ألفين منهم في الهند حتى سنوات لاحقة، قبل أن ينتقلوا إلى بريطانيا واستراليا وكندا وأميركا.

تقول كيرا شالوم إن عائلتها غادرت الهند في عام 1961، أي بعد سنوات طويلة من نيلها الاستقلال، وقبل تأسيس دولة إسرائيل.

حاولت شالوم أن تفهم من أقاربها سبب رحيل اليهود البغداديين من الهند، لكنها، كما تقول، لم تحصل على سبب مقنع، خاصة وأن "معاداة السامية لم تكن حاضرة بأي شكل من الأشكال في الهند، واندمج أهلها وغيرهم في المجتمع الهندي بشكل كامل، أي مع المسلمين والهندوس".

حتى حينما كان اليهود يتعرضون لمجازر في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، لم يتعرض من كان في الهند لأية مضايقات، وفقاً لشالوم التي ما تزال تحتفظ بصور لعائلتها في مومباي وبعضهم يلبس أزياء عربية.

كان لليهود البغداديين كما تشرح شالوم، بصماتهم على الثقافة الهندية، ومساهماتهم الكبيرة في نهضة الهند، وتذكر من بين الشخصيات اليهودية البغدادية البارزة، الممثلة العراقية نادرة (فلورنسا حزقيل) التي ولدت في بغداد عام 1932 وعاشت في الهند حتى وفاتها عام 2006، وحصلت على شهرة في سينما بوليود.

من الشخصيات الأخرى التي تذكرها، الجنرال (جي أف آر يعقوب)، وهو قائد عسكري هندي من أصول يهودية بغدادية، لعب دوراً في استقلال بنغلاديش عام 1971.

وأثر اليهود البغداديون في المطبخ الهندي، إذ أدخلوا العديد من الأطباق العراقية التي أضيفت إليها التوابل الهندية أو بعض المكونات البريطانية.

وتتحدث شالوم بشغف عن توارث هذه الأطباق في عائلتها وشيوع استخدام الجيل الذي عاش في الهند اللغات الهندية والعربية والإنجليزية في جملة واحدة، كما بقي الأحفاد يستخدمون الدلالات الهندية في الإشارة إلى الجدّ أو الجدة، من مثل "نانا" و"ناني".

لم تزر هذه الشابة البريطانية العراق أبداً، كما أنها لم تزر الهند. تقول إنها "تتمنى زيارة الهند قريباً، لكنها لا تفكّر بزيارة العراق الآن، كذلك الأمر بالنسبة إلى باقي أفراد عائلتها، حيث يمنعهم الخوف بشكل أساسي من التفكير في زيارة البلاد التي يتحدرون منها".

لكنها لا تنكر حنين العديد من أفراد عائلتها وأقاربها إلى بغداد والثقافة العراقية، خاصة الموسيقى والطعام، فضلاً عن الحنين إلى الهند التي ما تزال تحتفظ بالكثير من الآثار والبصمات الثقافية والدينية التي تركها القادمون من بغداد ومدن أخرى.

رامي الأمين