وجوه وقضايا

جنيهات ودولارات وفيروس... حكايات خرقاء بطلتها "بيضة!"

مروى صابر - واشنطن
21 فبراير 2025

الثانية بتوقيت القاهرة. انكسرت أشعة الشمس قليلا لكن صهد الصيف يقطع الأنفاس.

وضعتُ الكمامة.

في جيبي معقم لليدين في زجاجة صغيرة.

وحدها أبواق السيارات تُعلن عن وجود حياة.

أشعر بغمامة تخيم فوق رأسي. يقولون إن ضبابية الدماغ أحد أعراض كوفيد طويل الأمد.

أحتاج لعبور الشارع كي أصل محل البقالة الأقرب إلى بيتي: "رحمة ماركت".

رغم أنه شارع فرعي لكن عبوره يحتاج مهارة.

انتظرت، راقبت حركة السيارات، قدرت السرعة التي أحتاج، والوقت المتاح أمامي.

جريت بكل ما أُوتيت من قوة.

نجحت في خطف مساحة وهمية بين السيارات التي تسير بسرعة جنونية.

الآن يمكنني التقاط أنفاسي.

"10 بيضات لو سمحت".

لا أدرى لماذا اخترت هذا العدد تحديدا.

سعر البيضات العشر 15 جنيها، ما يعادل دولارا واحدا (بسعر الصرف حينها).

ربما هذا هو السبب، فلا مجال للبقال أن "يأكل" علي الباقي بحجة عدم وجود "فكة".

البيض عنصر رئيس في كل وجباتي.

منذ سنوات اتبعُ نظاما غذائيا يخلو من اللحوم والدواجن.

نظام جعلني محل نقد، سخرية، وأحيانا شفقة، غالبا ما تأتي الأخيرة من أفراد عائلتي.

في مصر، لا تعترف الأغلبية إلا بما يسمونه "رجيم" وهو تقليل عدد السعرات بغرض تنزيل الوزن.

في كيس بلاستيكي يكشف عما بداخله، وضع أحمد البقال البيضات.

أقف على الرصيف وفي يدي الكيس.. آه، علي العبور ثانية.

ما من إشارة مرور، أو ممر للمشاة في مدينتي المجنونة. 
تحسبت جيدا، اعتقد أن بإمكاني فعلها الآن.

عيني معلقة ورقبتي متصلبة على كتفي الأيمن باتجاه السيارات.

هممت بالعبور، وفجأة.

أطاح بي شيء عن يساري.

رجل أخرق على دراجة يسير عكس حركة المرور.

سقطت أرضا، تهشم البيض!

بيضة فطور صعبة المنال

أنت ابن مين في البلد؟

نوفمبر 2021، حي بنتاغون سيتي، ولاية فيرجينيا الأميركية. 

أمام ثلاجة عريضة، داخل متجر ( هول فوودز) Whole Foodsوقفت. 
أي نوع من البيض أشتري؟ في مصر، نوعان: بيض مزارع وبيض بلدي.

دائما ما كانت أمي توصيني بشراء البلدي لقيمته الغذائية الأعلى، على حد قولها.

السعر في بلدي الأم عادة ثابت!

أما هنا، فقائمة الخيارات طويلة بطول ليالي الشتاء. ويباع العدد نفسه من البيضات بأسعار متفاوتة.

لم أدر من قبل أن شراء بيضة يحتاج دراسة.

اتضح أن البيض في الولايات المتحدة، يُقيّم على أساس أسلوب حياة الأم: الدجاجة!

فابن التي تعيش في القفص ليس كالذي تقضي أمه أغلب يومها في المراعي!

صوت في رأسي يحدثني: الطبقية وصلت للبيض كمان!

@triggtube

What is the difference between Cage Free, Free Range, and Pasture Raised Eggs? Without talking about the taste and health elements of these eggs, I think it's important to know what the classifications ACTUALLY mean. Because the names all sound pretty good, but what does it all really mean. #eggs #pastureraised #chicken #foodscience

♬ Jazz Bossa Nova - TOKYO Lonesome Blue

باقة من البيض

العاشرة صباحا، يوم 14 من فبراير 2025.

شارع رقم 8، جنوب شرقي العاصمة الأميركية واشنطن.

أرتدي معطفي الباركا، يلتهمني، لكنه يقيني هبات البرد الغادرة.

تغطي أذناي سماعات. صوت المغنية اللبنانية إليسا يمنحني الونس في طريق طويل أمشيه وحدي.

أحب هذه الأغنية: "أواخر الشتا". لكن ما من معطف يقيني قسوة كلماتها الحزينة.

"والناس في عز البرد يجروا يستخبو

وأنا كنت بجري وأخبي نفسي قوام في قلبو... "

أوقفتها. جريت إلى أقرب مطعم لأختبئ!

قائمة الفطور طويلة. البيض عنصر مشترك في أغلب الأطباق، إن لم يكن كلها.

على طرف قائمة الطعام (منيو ) شُبكت قُصاصة.

كُتب عليها:"نظرًا لارتفاع أسعار البيض على مستوى البلاد، نطبق زيادة مؤقتة قدرها 0.75 لكل وجبة إفطار تحتوي على بيض. نشكركم على تفهمكم".

اتضح أنه بينما كنا بني البشر نواجه جائحة فيروس كوفيد 19. كانت جموع الدجاج حول العالم تواجه فيروس انفلونزا الطيور: H5N1.

بينما قتل كوفيد أكثر من 7 ملايين منا منذ أواخر 2019 حتى يومنا.

أُعدم أكثر من 148 مليون طائر في الولايات المتحدة – وحدها- منذ تفشي الانفلونزا، مطلع 2022 وحتى اليوم. 

خلال الثلاثة أشهر الأخيرة فقط، قتل الفيروس أكثر من 20 مليون دجاجة بياضة.

زيادة 0.75$ لكل وجبة إفطار تحتوي على بيض

طلبت كوبا من القهوة.

فتحت تطبيق انستغرام أبحث عن إلهاء.

طلع في وجهي، منشور من صديقتي الروسية التي تعيش في دبي.

باقة كبيرة من الورود تتوسطها بطاقة كُتب عليها بالإنجليزية: "أنتِ حبي" إلى جوارها حقيبة كارتييه حمراء، يعلم الله ما بداخلها.

يا ويلي.. إنه عيد الحب.

قبل أن تغرقني ورود وفراشات العالم الافتراضي، التقفتني صورة!

سطر بالإنجليزية، ترجمته: "دللها بشيء ثمين في عيد الحب"، تحته صورة لشاب يقدم كرتونة من البيض هدية لحبيبته.

تذكرت ذلك المشهد من فيلم الناظر، عندما ذهب صلاح لزيارة أبيه في المستشفى وفي يده باقة من الزهور، فقال الأب باستنكار: "جايبلي ورد وأنا مفطرتش من الصبح"! 

مروى صابر

وجوه وقضايا

الجانب المظلم من حقيقة الذكاء الاصطناعي

ضياء عُطي
21 مارس 2025

لتقنيات الذكاء الاصطناعي أثر إيجابي على كثير من مجالات حياتنا اليومية، لكن ما قد يخفى عن كثيرين هو تأثيراتها الضارة على الحياة بشكل عام: الحياة على هذا الكوكب.

استهلاك شركة مايكروسوفت من الكهرباء في عام 2023، على سبيل المثال، تجاوز 24 تيراواط، أي أكثر من استهلاك بلد مثل الأردن، أو حتى السعودية.

ويزيد الاستخدام المفرط للطاقة غير النظيفة لإنتاج الكهرباء من تداعيات الانبعاثات الضارة على البيئة. 

إلى جانب الكهرباء، يستخدم قطاع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من المياه لتبريد الأجهزة المعالجة للخوارزميات المعقدة.

الجبهة الأمامية

مراكز البيانات هي الجبهة الأمامية في الصراع نحو تصدر مجال الذكاء الاصطناعي.

هذه المراكز ليست حديثة العهد، فقد أُسس أول مركز معني بالبيانات في جامعة بنسلفانيا الأميركية عام 1945 لدعم ما عُرف حينها كأول كمبيوتر رقمي متعدد الأغراض، "ENIAC" اختصارا.  

هذه المراكز هي العمود الفقري للحوسبة الحديثة المعنية بتخزين كميات ضخمة من البيانات ومعالجتها.

تلك البيانات تكفل استمرار تشغيل كافة المواقع العاملة عبر شبكة الإنترنت، ما يسهل عمل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب.

لكن ظهور الذكاء الاصطناعي، التوليدي منه تحديدا، مثل خدمات "تشات جي.بي.تي" و"جيميناي" مثلا، غيّر "دراماتيكيا" في عمل مراكز البيانات، وفقا لمقال نشره معهد ماساتشوستس للتقنية "أم آي تي". 

واليوم، تتكون تلك المراكز من بنايات صناعية كبيرة، في داخلها مجموعة من الأجهزة الإلكترونية الضخمة.

داخل تلك البنايات هناك أجهزة تخزين البيانات الرقمية وخوادم الاتصالات والحوسبة السحابية، التي تمكن من تخزين ومعالجة البيانات.

بين عامي 2022 و 2023 ارتفعت متطلبات مراكز البيانات من الطاقة، في أميركا الشمالية، من 2,688 ميغاواط إلى 5,341 ميغاواط، وفق تقديرات علماء.

جزء من هذا الارتفاع مرتبط بالاحتياجات التي فرضها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفق "أم آي تي".

عالميا، بلغ استهلاك مراكز البيانات من الطاقة، في عام 2022، 460 تيراواط.

وتحتل مراكز البيانات المرتبة 11 بين الأكثر استهلاكا للكهرباء سنويا حول العالم، وهي مرتبة وسط بين فرنسا (463 تيراواط) والسعودية (371 تيراواط)، وفقا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وبحلول 2026، تشير "أم آي تي"، إلى أن استهلاك مراكز البيانات للكهرباء قد يصل إلى 1,050 تيراواط، ما قد يرفعها إلى المرتبة الخامسة، بين اليابان وروسيا.

الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده ليس العامل الوحيد، يوضح المعهد التقني، لكنه "دافع أساسي" باتجاه زيادة الطلب على الطاقة والمياه. 

تستخدم تلك المراكز كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية، وتكون لديها مصادر طاقة بديلة عند انقطاع التزويد أو في حالات الطوارئ، ما يمكّنها من الاستمرار في العمل.

لكن توفير الطاقة الكافية لتشغيل تلك المراكز أصبح تحديا في ظل ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة.

الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قدّم خطة لتطوير الطاقة النووية في الولايات المتحدة تحظى بدعم لافت من جمهوريين وديمقراطيين على حد السواء، وقد تشكل الحل الأكثر رفقا بالبيئة.

البروفسور آناند راو من جامعة كارنيغي ميلون أوضح لموقع "الحرة" أنه بالإضافة إلى الاستخدام المكثف للطاقة الكهربائية، ظهرت معضلة جديدة أمام تلك المراكز.

الأجهزة الإلكترونية الضخمة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ترتفع حرارتها إلى درجات عالية جدا، ما يؤثر على قدرتها، وقد يؤدي حتى إلى تلفها.

قد يبدو ذلك غريبا لأول وهلة، ولكن على عكس حاسوبك الصغير الذي يستعمل مروحة أو اثنتين لتبريد رقاقاته الإلكترونية، تستخدم أجهزة مراكز البيانات الماء للتبريد.

تدخل آلاف الغالونات من الماء إلى مبادل حراري يشغل شبكة ضخمة ومتشعبة من الأنابيب والمبردات تمتد إلى كافة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، دون أن يلامس الماء، طبعا، أيا من الدارات الكهربائية.

ومثلما هو الحال بالنسبة للكهرباء، يضع استهلاك تلك الكميات الكبيرة من الماء ضغطا كبيرا على الموارد المحلية للمنطقة حيث تكون مركز البيانات.

بات من الواضح أن استدامة عمل تلك المراكز أصبحت مرتبطة بتأمين موارد كبيرة من الكهرباء والماء.

لكنّ هناك حلولا أخرى، بحسب البروفيسور راو، مثل استخدام النيتروجين للتبريد عوضا عن الماء.

رغم أن النيتروجين متوفر بكميات كبيرة، إذ يمثل نحو 78 في المئة من الهواء في الغلاف الجوي للأرض، فإن استخدامه للتبريد مكلف كثيرا، ما يجعل الماء خيارا اقتصاديا أفضل.

حلول مبتكرة تعيقها "الهلوسة"

عوضا عن بذل جهد كبير في محاولة تبريد الأجهزة الإلكترونية، لماذا لا يتم استخدام أجهزة تطلق حرارة أقل، ما يعني بالضرورة أنها تستهلك كمية أقل من الطاقة؟

قد يخيل إليك أن هذه فكرة مثالية بعيدة عن الواقع، ولكن، مرة أخرى، يتحول الخيال إلى حقيقة.

تجري منذ مدة أبحاث تهدف لتطوير ما اصطلح على تسميته بحواسيب الكوانتوم التي تُعرف أيضاً باسم الحواسيب الكمومية.

اعتماد هذا النوع من الحواسيب على "فيزياء الكم" جعلها قادرة على القيام بعدد ضخم من الحسابات في وقت قصير ما جعلها تستخدم كمية طاقة أقل.

البيانات المعروفة بالإنكليزية بكلمة "بايت" وتعتمد نظام الرياضيات الثنائي المكون من رقمين هما 0 و1، وهو النظام المستخدم في الحواسيب.

لكن حواسيب الكم تعتمد على "الكيوبتات"، التي بإمكانها أن أن تكون في حالتي 0 و1 في نفس الوقت، وهو ما يعرف باسم التراكب الكمومي.

مكنت تلك الخاصية الفريدة هذه الحواسيب من إظهار قدرة كبيرة على فك المعادلات المعقدة وتقديم أجوبة متطورة على أسئلة مركبة، عبر معالجة العديد من المعادلات والمسائل في نفس الوقت.

وبالطبع، استخدمت حواسيب الكم في تطوير النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي، لكن الأجوبة التي قدمتها كانت "غير مستقرة".

وتعبير "غير مستقرة" يعبر عنها أحياناً بـ "الهلوسة"، حسب ما أوضح لموقع "الحرة"، كل من سام رزنيك، الباحث في معهد الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأميركية، والبروفيسور راو.

هذه "الهلوسة" البرمجية تتمثل في تقديم نموذج الذكاء الاصطناعي إجابات خاطئة وغير منطقية أو مخالفة للواقع أو عبثية لا معنى لها.

مجتمع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي يسعى لتحسين قدرات حواسيب الكم، للاستفادة من قدراتها الفريدة خصوصا من ناحية الوصول إلى نفس النتائج لكن بجهد أقل ووقت أقصر.

سباق العمالقة

ويتوالى سباق السيطرة على هذه التكنولوجيا التي فتحت أبواب الأرباح المالية الضخمة والسيطرة السياسية وحتى العسكرية، وسط مخاوف من تهديدها حرية التفكير والتعبير.

خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي نموا صاروخيا وحققت أرقاما فلكية.

ارتفع عدد مستخدمي "تشات جي.بي.تي" نهاية فبراير بنسبة 33 في المئة مقارنة بنفس العدد في ديسمبر الماضي ليصل إلى 400 مليون مستخدم أسبوعيا.

ومن أهم مستخدمي "تشات جي.بي.تي" نجد بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري وشركات كبرى مثل "تي موبايل" و"مودرنا" و"أوبر".

أما نموذج "ديب سيك" الصيني، فارتفع عدد مستخدميه 12 مرة خلال شهر يناير الماضي، ليصل الآن إلى معدل 700 ألف مستخدم أسبوعيا.

والتحقت شركة "أكس.أيه.آي" بالركب، ومنذ طرحها نموذج "غروك 3" ارتفع عدد مستخدميه من 4.3 مليون إلى 31.5 مليون مستخدم يوميا، وذلك خلال 3 أسابيع فقط.

وزعمت الشركة المنتجة لنموذج "ديب سيك" الصيني أنه يقدم خدمة أقل كلفة ومماثلة لنظيره الأميركي "تشات جي.بي.تي" من شركة "أوبن أيه آي".

سرعان ما خرج نموذج أميركي آخر بعد أقل من شهر، يسمى "غروك 3"، ليقدم قدرات أكبر.

شركة "أكس أيه آي"، التي أسسها إيلون ماسك عام 2023، تقول إن نموذج "غروك 3" هو الأفضل حتى الآن.

ظهور "ديب سيك" شكل صدمة ليس للباحثين المختصين بل للأسواق العالمية وحتى السياسة الدولية.

"ديب سيك" اعتمد تقنية تسمى استخلاص النماذج، يقول رزنيك في حديثه لموقع "الحرة".

تعتمد هذه التقنية على طرح آلاف من الأسئلة على نموذج "تشات جي.بي.تي"، لفهم طريقة تحليله للمعلومات.

أي لفهم طريقة تفكيره، والتعلم منها عبر التدرب على ذلك النموذج.

وبناء على ذلك قام الباحثون الصينيون ببناء نموذج "ديب سيك"، باستخدام الأجوبة المقدمة من "تشات جي.بي.تي".

ومع ارتفاع عدد مستخدمي الذكاء الاصطناعي تتزايد الحاجة إلى مزيد من مراكز البيانات، ما يعني، في المحصلة، استهلاكا أكبر للكهرباء والمياه، وما يصحب ذلك من تآكل لإمكانيات استمرار الحياة على كوكب الأرض.

مفاجآت بالجملة

الباحثان اللذان تحدثنا إليهما يخالفان الاعتقاد السائد بأن الصينيين لا يملكون  قدرات حاسوبية كبيرة نظرا لتأخرهم في مجال الرقائق الإلكترونية.

فمنظومة "ديب سيك" أصبحت تستخدم عددا كبيرا من الرقائق المصنعة من طرف شركة هواوي الصينية.

يكشف رزنيك لنا سرا آخر من خبايا الصراع الخفي للسيطرة على شعلة القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي.

نموذج "ديب سيك" يعتمد على قدرات حاسوبية كبيرة، لكن السر يكمن في طبيعة الرقاقات الإلكترونية.

هناك نوعان رئيسيان من الرقاقات الإلكترونية المعتمدة في نماذج الذكاء الاصطناعي.

الرقائق المتقدمة مثل تلك المنتجة من شركة "إنفيديا"، ومقرها ولاية كاليفورنيا الأميركية، تعرف باسم رقائق "جي.بي.يو"، وتستخدم للعمليات المعقدة مثل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

كلمة "جي.بي.يو" هي الاختصار الإنكليزي لمصطلح "graphic processing unit" أو (GPU) اختصارا، وتعني "وحدات معالجة الصور".

مكنت قدرات تلك الرقائق شركة "إنفيديا" من الوصول إلى قيمة سوقية تعادل نحو 3 ترليون دولار.

رقائق "جي.بي.يو" لم تكن في الأصل معدة للاستخدام في مجال الذكاء الاصطناعي.

"إنفيديا" عملت منذ تأسيسها عام 1993، في مجال الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو، وأرادت الحصول على صور ذات نوعية جيدة، تضفي طابعا أكثر واقعية على ألعاب الفيديو.

في ذلك الوقت كانت شركات التكنولوجيا مثل "إنتل" الأميركية تعمل على إنتاج رقائق حواسيب تعرف باسم "سي بي يو"، وهو الاختصار الإنكليزي لكلمة "سنترال بروسيسنغ يونت"، أو "وحدات المعالجة المركزية".

الرقائق الإلكترونية لوحدات المعالجة المركزية هي الأساس للحواسيب لذلك فهي أكثر انتشارا، لكن طريقة عملها تجعلها أقل تقدما في مجال الحسابات المعقدة.

من خلال التجارب الأولى للنماذج الحديثة للذكاء الاصطناعي، تبين أن وحدات معالجة الصور المنتجة من شركة "إنفيديا"، هي الأفضل بسبب قدرتها على إجراء العمليات الحسابية المعقدة، مع حجم معالجة أكبر.

تحولت "إنفيديا" من شركة تعمل في مجال ألعاب الفيديو إلى المزود الرئيسي للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي.

منذ أعوام تشهد الولايات المتحدة والصين نزاعا بشأن الرقاقات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي

المفارقة أن التحول المفاجئ كان سبباً في قوة الصدمة الناجمة عن نجاح نموذج "ديب سيك".

القدرة على تقديم نموذج يستخدم قدرات حاسوبية أقل تقدماً وضع مستقبل شركة "إنفيديا" في مرمى الشك وأثر على التداولات في الأسواق.

وأصبحت رقاقات "إنفيديا" طلبا أساسيا لدى كبرى شركات التقنية مثل "أمازون" و"غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" وغيرها.

لكن الاهتمام بذلك الحدث تجاوز عالم المال والأعمال.

ضياء عُطي