وجوه وقضايا

أبناء القمر.. مغاربة "ينتظرون شمساً لا تحرق"

هشام بوعلي- دبي
26 فبراير 2025

في غرفة مظللة، يرفع الستائر قليلاً، يتأكد أن آخر خيوط الضوء قد اختفت، ثم يستعد للخروج من عزلته الإجبارية.

يوم حمزة تيزمرت الحقيقي يبدأ فقط بعد أن تنسحب الشمس وينطفئ نورها من كفّ السماء.

"بعد أن ينام العالم، نستيقظ نحن لنعيش"، يقول حمزة، ابن السابعة والعشرين، وهو يضع طبقات الحماية المعتادة، المرهم الواقي على بشرته، النظارات المظللة، القفازات الواقية، وقناعه الخاص.

بحركات متأنية، ناتجة عن سنوات من الممارسة، يتفقد أن كل سنتيمتر من جلده محمي قبل أن يغادر عتبة بيته.

كفاح أخوين

يتشارك حمزة وأخوه محمد تيزمرت (31 عامًا) قصة كفاح استثنائية ضد مرض وراثي نادر، يحوّل بشرتهما إلى "مرايا" تتحسّس من أشعة الشمس.

"كانت حياتنا منذ بدايتها محفوفة بالصعاب والتحديات،" يروي حمزة، مستعيدا ذكريات طفولته الصعبة مع مرض جفاف الجلد المصطبغ، خلال السنوات الأولى لالتحاقه بالدراسة في قرية بنواحي مدينة تارودانت، وسط المغرب.

"كنا نضطر لقطع مسافة تستغرق نصف ساعة سيرا على الأقدام، عبر طرق وعرة، للوصول إلى مدرستنا".

حين نصل أخيرا، تكون أجسادنا قد أنهكها التعب والإجهاد بسبب التعرض لأشعة الشمس، رغم محاولاتنا الحثيثة لتجنبها.

مرض "أطفال القمر" هو اضطراب وراثي نادر يُعرف علما باسم جفاف الجلد المصطبغ، الذي يؤثر على قدرة الجلد على إصلاح التلف الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية.

يعاني المصابون به، من حساسية شديدة لأشعة الشمس، مما يؤدي إلى تلف الجلد بسرعة وظهور بقع داكنة، وقد يتطور إلى سرطان الجلد في سن مبكرة.

ويحتاج المصابون إلى حماية صارمة من أشعة الشمس، مثل ارتداء ملابس واقية ونظارات خاصة، والعيش في بيئة خالية من التعرض المباشر للضوء، للحفاظ على صحتهم.

في ذلك الوقت، يضيف حمزة: "لم تتوفر لنا وسائل الحماية المناسبة التي نستخدمها اليوم. لا نظارات واقية، ولا أقنعة طبية، ولا مراهم".

"كل ما كنا نملكه هو خوذات بسيطة نغطي بها رؤوسنا، في محاولة يائسة لصد الأشعة الضارة التي تؤذي بشرتنا وتهدد حياتنا".

تأجّل التحاق الأخوين بالمدرسة الابتدائية بسبب حالتهما الصحية.

كان حمزة في السابعة من عمره وأخوه محمد في التاسعة عندما تمكنا أخيرا من بدء رحلتهما التعليمية، بعد تحذيرات متكررة من الأطباء لوالديهما من المخاطر الشديدة التي قد يسببها تعرضهما المباشر لأشعة الشمس.

يستذكر حمزة تلك الفترة بمشاعر مختلطة، قائلا: "امتدت سنوات المرحلة الابتدائية الست كسلسلة متصلة من المعاناة والكفاح".

كنا نواجه صعوبة بالغة في رؤية ما يُكتب على السبورة بسبب ضعف البصر الذي يسببه المرض، بالإضافة إلى سلسلة لا تنتهي من المشاكل الصحية التي كانت تلازمنا يوما بعد يوم، كما يقول.

ووسط هذه الأزمات الصحية، كانت هناك مشكلة أخرى تعين على الأخوين مواجهتها في الطفولة.. ويقول حمزة: "بعض زملائنا التلاميذ كانوا متفهمين، لكن آخرين كانوا يتنمرون علينا بسبب مظهرنا المختلف".

بمواجهة كل هذه الصعاب، أنهى الأخوان مرحلتهما الابتدائية بنجاح.

غير أن المرحلة الإعدادية كانت تنتظرهما بصدمة جديدة قاسية.

رفض مدير المدرسة الإعدادية استقبالهما، زاعما أن مرضهما معدٍ قد يصيب بقية التلاميذ، وهو ادّعاء يفتقر تماماً للأساس العلمي، إذ تؤكد الحقائق الطبية أن المرض غير معد، حسب حمزة.

تعنُّّت المدير، اضطره وأخوه للالتحاق بمدرسة خاصة بالمكفوفين في مدينة تارودانت، حيث تابعا دراستهما حتى التحاقهما بمعهد آخر للمكفوفين في مدينة تمارة، قرب العاصمة الرباط، حيث حصلا على شهادة البكالوريا بميزة حسن جداً في عام 2019.

بعدها التحقا بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس في الرباط لمتابعة دراستهما الجامعية، التي توّجاها بأن أصبحا أول مجازين في القانون مصابان بمرض "أطفال القمر" في المغرب.

"المرض جعلني أقوى وزادني إصراراً على الصمود. تكونت لدي مناعة ضد نظرات المجتمع السلبية. أصبحت أُعرِّف بقضية أطفال القمر في كل مكان أذهب إليه، في الكلية، في الشارع.. حتى مع سائقي سيارات الأجرة".

يقول حمزة: "هذا المرض ليس مجرد حالة طبية، إنه تحدٍ يومي للحياة والبقاء".

صورة لحمزة مرتديا القناع الواقي من أمام كلية الحقوق بالرباط

تحديات جديدة

"حين التحقنا بالكلية، واجهنا تحديات جديدة تماما"، يوضح حمزة مستذكرا مرحلة انتقاله وأخيه إلى جامعة محمد الخامس بالرباط.

"كانت صعوبات الحضور والتنقل يومية، والتأقلم مع الطلبة والأساتذة لم يكن بالأمر السهل".

يصف القاعات الدراسية بالتفصيل: "كانت القاعات كبيرة، بها نوافذ واسعة دون ستائر، مما يجعل أشعة الشمس تتسلل إلى داخلها بسهولة.. في أيام كثيرة  تعذر علينا الحضور بسبب وضعنا الصحي".

يتذكر حمزة بامتنان زملاءه المتعاونين: "بعض الطلبة، كانوا يساعدوننا كثيرا، يمدوننا بالدروس وبتسجيلات المحاضرات عندما لا نستطيع الحضور".

لكن لم يكن كل الأساتذة متفهمين لوضعهما، كما يشرح حمزة.

"بعضهم، لم يأخذ بعين الاعتبار مرضنا. عندما نتغيب عن حصصهم، يرفضون السماح لنا باجتياز الامتحان بحجة أنهم لم يسبق لهم أن شاهدونا خلال الدروس، رغم أنني شرحت لهم وللإدارة مرارا أن مرضي لا يسمح لي بالحضور نهارا".

في مواجهة كل هذه التحديات، استطاع حمزة وأخيه أن يحصلا على الإجازة في تخصص شعبة القانون الخاص.

لكن فرحتهما بإنهاء هذه المرحلة لم تكتمل، مرة أخرى.. وبرزت في وجه طموحاتهما الكبيرة عقبات جديدة.

يقول حمزة بحسرة: "بعد حصولنا على الإجازة، اجتزنا العديد من اختبارات التوظيف، لكن كان يتم إقصاؤنا بحجة أننا مصابان بهذا المرض، وأن مظهرنا الخارجي مختلف عن بقية الناس".

يسترسل موضحا: "عادة نمر من الاختبار الكتابي بنجاح وبامتياز، لكن عندما نصل إلى الامتحان الشفوي، يتم إقصاؤنا بمجرد أن تقيّم اللجنة مظهرنا الخارجي".

هذا التمييز يؤلم حمزة بشدة: "للأسف، حتى في المباريات (المسابقات) الموحدة المخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة، يتم إقصاؤنا".

يتساءل باستنكار: "كيف يُعقل أن تكون المباراة خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة ويتم إقصاء شخص مصاب بمرض أطفال القمر بسبب إعاقته؟ هذا بحد ذاته تمييز غير مقبول".

"نحن لا نريد أن نكون عبئاً على المجتمع أو على عائلاتنا. نريد فقط فرصة لإثبات قدراتنا بعد كل الجهد الذي بذلناه للوصول إلى هنا".

يختم حمزة حديثه مناشدا الجهات الوصية بتخصيص منصب واحد على الأقل كل سنة، للأشخاص في مثل حالته من الحاصلين على شهادات جامعية.

من ألم شخصي إلى أمل جماعي

بينما يواصل حمزة وأخوه محمد رحلتهما في البحث عن فرصة عمل تليق بمؤهلاتهما الأكاديمية، تتواصل منذ سنوات قصة كفاح موازية في جانب آخر من المغرب.

"اكتشفنا أن مرضها خطير وقاتل"، بهذه الكلمات يختصر الحبيب الغزاوي لحظة تغيرت فيها حياته للأبد، عندما علم بإصابة ابنته فاطمة الزهراء بمرض أطفال القمر، وهي في الرابعة من عمرها.

بعد علمه بمرض ابنته، لم يتردد الغزاوي في اتخاذ قرار مصيري، ترك مهنته كطبيب بيطري ليكرس وقته لرعاية ابنته.

"كان من الصعب علي المحافظة على فاطمة الزهراء مع الالتزام بعملي، قدمت المغادرة الطوعية من وظيفتي بالبادية للاستقرار في مدينة المحمدية، وحاولت بكل جهد رعايتها".

رحلة العلاج كانت قاسية بكل المقاييس. تحملت فاطمة الزهراء أكثر من 70 عملية جراحية على مدار حياتها، لاستئصال الأورام التي لم تتوقف عن مهاجمة جسدها.

"كان جسدها بالكامل يتعرض للتقرحات والأورام التي كانت تظهر من حين لآخر"، يصف الغزاوي المعاناة اليومية التي عاشتها ابنته.

لكن رغم قسوة المرض، كانت ثمة معجزة صغيرة تتحقق يوماً بعد يوم، إذ تحولت قبل رحيلها إلى "رمز " للتوعية بهذا المرض وتحدياته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وساعدت في تأسيس "جمعية التضامن مع أطفال القمر بالمغرب"، التي كانت أول جمعية من نوعها في المملكة. 

بدأت هذه المنظمة الإنسانية، التي يرأسها الغزاوي، بهدف بسيط هو إحصاء المصابين والتعريف بالمرض، قبل أن تتحول إلى مؤسسة شاملة تقدم خدمات متنوعة للمصابين.

ونجحت المنظمة منذ عام 2012، في توثيق نحو 500 حالة في مختلف أنحاء البلاد، وتوفير وسائل الحماية الضرورية كالمراهم والنظارات والأقنعة الواقية.

ويبقى أحد أبرز مشاريعها الحالية هو تصميم قناع واقٍ بالتعاون مع شركة فرنسية، ليكون بديلاً ملائماً للقناع الفرنسي باهظ الثمن الذي كان يكلف 1200 يورو.

ورغم رحيل فاطمة الزهراء، يواصل الأب جهوده في مساعدة المصابين ودعم أسرهم، كاشفا أن نضاله اليوم منصبّ على إدراج المرض ضمن الإعاقات المعترف بها رسميا.

كما يسعى إلى توفير حلول مناسبة للتعليم والرعاية الصحية، وينظم أنشطة اجتماعية لكسر عزلة المصابين.

"لقد عشت تجربة محفوفة، في كل تفاصيلها، بالأمل والألم مع فاطمة"، يقول الغزاوي بهدوء وثقة، مضيفا أنه سيواصل "تكريس ما تبقى من حياته لمساعدة المصابين وعائلاتهم".

هشام بوعلي

أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة
أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة

في يوم أحد، استقل عمار البدران سيارته. إلى جواره زوجته، فيما أجلس أطفاله الثلاثة في المقعد الخلفي.

إنه الموعد الأسبوعي لشراء طلبات المنزل.

تعيش الأسرة في مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، جنوب شرقي الولايات المتحدة.

البيض عنصر أساسي في كثير من أطباق العائلة عراقية الأصل.

يستهلك الخمسة نحو 24 بيضة أسبوعيا.

قبل أشهر، كان عمار يشتري دزينتي البيض من متاجر كوسكو مقابل 7 دولارات.

أسعار أغلب المنتجات في ذلك المتجر عادة مخفضة.

لكنك تحتاج لاشتراك سنوي بقيمة 65 دولارا، كي يسمح لك بدخول المتجر.

أخذت أسعار البيض في الارتفاع تدريجيا دون سبب مُعلن.

ظن عمار أن السبب هو موسم الإجازات: من نوفمبر إلى أوائل يناير.

وجد نفسه يدفع 3 دولارات إضافية على نفس عدد البيضات.

سألتُه: هل توقفت عن شراء البيض أو ربما تقليل الاستهلاك؟

أجاب: "ما نقدر، بسبب الأطفال".

اللقطة الأولى

أمرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بسحب ما يزيد عن ربع مليون بيضة من متاجر كوسكو في خمس ولايات بينها جورجيا، لاحتمالية تلوثها ببكتيريا السالمونيلا.

حتى الآن، لم ترفع(FDA) قرارها.

قرر عمار البحث عن بديل، رغم أن القرار يخص نوع محدد من البيض: Organic Pasture Raised.

هذا البيض يأتي من دجاج تربى في المزارع المفتوحة، ولم يتعرض لمبيدات أو هرمونات صناعية وفق المعايير المنظِمة.

وقع الاختيار على متجر كروجر، "12 بيضة بـ 9 دولارات"، يقول عمار.

ثمة مشكلة إضافية. لا يسمح المتجر للمستهلك بشراء أكثر من دزينة بيض في اليوم الواحد.

في المتجر عُقلت لافتة كُتب عليها: "بسبب نقص البيض على مستوى البلاد، قررنا تقييد البيع إلى 12 بيضة (كرتونة) للشخص الواحد، يوميا".

عَرِف عمار أن الأزمة تعود إلى تفشي إنفلونزا الطيور.

باتت العائلة تذهب جماعة للمتجر لشراء البيض. يشتري عمار طبقا، وتشتري زوجته الآخر، ثم يفترقان لدى الدفع حيث يحاسب كل منهما على حدة.

البيضة الروسية

صباح يوم ثلاثاء في ولاية كاليفورنيا، كانت ماكنزي فوموينا روبيش في المطبخ تعد الفطور لعائلتها، فبناتها يحببن البيض مقليا.

قبل يوم قادت ماكنزي السيارة إلى مدينة أوشن سايد على بعد 20 دقيقة، لتتلقى هدية غالية.

ادخرت لها أمها عددا من البيضات وضعتها دجاجات عشر تربيها في حديقة منزلها الخلفية.

شعرت ماكنزي بامتنان شديد. في كاليفورنيا، بات طبق من 24 بيضة يُكلفها 30 دولارا.

"قبل إنفلونزا الطيور كان بإمكاني شراء 150 بيضة مقابل 41 دولارا"، أخبرتني.

بدأت ماكنزي تكسر البيضات في طبق قبل أن تلقي بها إلى المقلاة.

بين البيضات واحدة غريبة الشكل، "طويلة على غير العادة".

كسرتها. "ماذا؟"، صاحت!.

وجدت ماكنزي بيضة ثانية أصغر ترقد داخل البيضة الغريبة.

كأنها دمى ماتريوشكا الروسية، التي تحاكي الأمومة: الدمية الأم تحمل بداخلها دمية أصغر (الطفل).

هرعت إلى الهاتف، التقطت فيديو.

على حسابها على إنستغرام نشرته تحت عنوان: "هكذا يبدو الفوز باليانصيب هذه الأيام".

عام 2023 جربت ماكنزي شعور الفرحة غير المتوقعة.

آنذاك فازت بلقب برنامج المسابقات التلفزيوني "The Great American Baking Show" للخبازين الهواة.

عَلّمت ماكنزي نفسها الخَبز وأتقنته تحت وطأة وباء كورونا.

الآن، مع تفشي إنفلونزا الطيور بدأت تجرب بدائل البيض في وصفاتها.

اكتشفت أن بإمكانها استبدال البيض بصلصة التفاح في كعكات بعينها: رغيف الموز(Banana bread)

"ربع كوب من صلصة التفاح يعادل بيضة واحدة"، تقول ماكنزي.

كلاكيت تاني مرة

عام 2006 عمّ هلع في مصر بسبب إنفلونزا الطيور.

حينها كنت أقطن قرية بمحافظة القليوبية، شمالي البلاد.

ما من بيت في القرية إلا وكان يربي نوعا من الطيور: الدجاج، الحمام، البط، الأوز.

أسطح المنازل في مصر عادة ما تُستخدم ساحات لتربية الطيور في أقفاص.

حملات التوعية بالعدوى أغرقت التلفاز.

تحدثتْ أغلب البرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار عن الإجراءات الحكومية لمكافحتها.

شاعت في القرية أنباء عن غرامات ستفرضها الحكومة على من لا يذبح دجاجاته.

أتذكر جيدا أن أغلب أقاربي ذبحوا ما لديهم من طيور حتى فاضت ثلاجاتهم.

الآن بعد 19 عاما، أعيش الدراما ذاتها، لكن ببصمة هوليودية.

أعيش في شقة صغيرة في قلب العاصمة واشنطن. أقرب متجر إلى بيتي اسمه "Trader Joe’s"، أو بالمصرية: "دكانة عم جو".

اشترى بيض المراعي أو كما يسمى بالإنجليزية "Pasture-raised"، بعد بحث وتفحيص وتمحيص تبين أنه الأعلى قيمة غذائية.
حين وصلت هنا قبل 3 سنوات كان سعر الدزينة من هذا النوع يقترب من 3 دولارات. الآن لا يقل السعر عن 6 دولارات! وليتني أجده.

أذهب يوميا إلى المتجر، لأجد الأرفف فارغة.

اتصلت بهم قبل أيام.

- هل لديكم بيض اليوم؟ لا أريد أن آتي وأعود فارغة اليدين.

أجاب رجل على الهاتف: آسف، سيدتي، لقد نفد ما لدينا من البيض اليوم.

- متى يتوفر البيض إذا؟

- تعال غدا بمجرد أن نفتح عند التاسعة صباحا بالضبط.

المشهد المحذوف

يقود الناشط الأميركي الشهير جين باور حملة لتوعية الناس بإنفلونزا الطيور وأسباب تفشيها.

يلفت الأنظار إلى مشهد منسيّ وربما حُذف سهوا.

في إحدى منشوراته على إنستغرام، كتب: "أكثر من 99 في المئة من حيوانات المزرعة في الولايات المتحدة تتم تربيتها في مزارع صناعية تشكل أرضًا خصبة لمرض إنفلونزا الطيور وغيره من مسببات الأمراض".

"تتكدس آلاف الحيوانات، وفي بعض الحالات ملايين الحيوانات، في حظائر مليئة بنفاياتها، ودون نوافذ، ما يعرض الحيوانات والعمال لخطر الإصابة بالأمراض".

لجين (62 عاما) صوت مسموع في الأوساط الأميركية المعنية بصحة وسلامة الغذاء.

لعب دورا بارزا في معركة قضائية استمرت ثماني سنوات، انتهت بسن قانون كاليفورنيا لعام 2012، الذي يحظر إنتاج وبيع كبد البط والأوز: "فوا غراه" (foie gras).

وقتها لفت جين الانتباه إلى مشهد "تزغيط" البط والأوز (أي تسمينها)، للحصول على كبد أكبر عشرة أضعاف من الحجم الطبيعي.

لإنتاج (فوا غراه)، يقوم العمال بإدخال أنابيب في حلق البط أو الإوز وإطعامها قسراً كميات كبيرة من الحبوب.

العملية تسبب آلاما وضغوطات كبيرة للطائر. تؤدي لإصابته بمشاكل صحية محتملة، بينها أمراض في الكبد ذاته.

اتصلتُ به متسائلة عن سبب عودة إنفلونزا الطيور من جديد.

أخبرني: "عندما تزدحم المزرعة بآلاف الطيور، فإنها تنتج الكثير من الفضلات، وكلما زاد روث الحيوان ارتفعت احتمالية انتشار الجراثيم".

"قطاع تربية الطيور والحيوانات في الولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على المضادات الحيوية"، يضيف.

"لكن الفيروسات تتطور، تصبح أكثر ضراوة وأكثر قدرة على التغلب على الأدوية واللقاحات التي صممت للسيطرة عليها".

وبهذا فإن "الحيوانات كما البشر، يجب أن تعيش في بيئة صحية، حيث يتوفر هواء نقي ومياه نظيفة، لا محيط غارق بالميكروبات".

سألتُه عن بيض المراعي، وما يروج بأن الدجاج يُربّى في الهواء الطلق.

رد: "أنا لا أثق بالملصقات الدعائية.. الطريقة الوحيدة لمعرفة كيفية معاملة الحيوانات وظروف معيشتها هي زيارة المزرعة".

يشجع الناشط في مجال حقوق الحيوان الناس على زيارة المزارع القريبة منهم.

"الدور الذي يمكن أن نلعبه كمستهلكين، هو أن نصوت بأموالنا: بدعم الشركات التي لا تؤذي الحيوانات، ولا تخلق خطر الإصابة بالأمراض، ولا تضر بالبيئة، ولا تنتج طعامًا ضارًا بصحتنا".

نهاية فبراير هذا العام، أعلنت وزيرة الزراعة الأميركية، بروك رولينز، استراتيجية بقيمة مليار دولار للحد من إنفلونزا الطيور، وحماية قطاع الدواجن، وخفض أسعار البيض.

بيان للوزارة أوضح أن "تطوير لقاحات وعلاجات جديدة، فضلا عن تعزيز المراقبة البيولوجية"، من أبرز ما ستركز عليه الإستراتيجية المعلنة.